من أسماء الله الحسنى (القهار)
د. علي محمد الصلابي
اسم (القهار) من أسماء الله الحسنى التي تُعظِّم شأن الخالق جلَّ وعلا، وتُظهر قدرته المطلقة وسلطانه العظيم على كل شيء، فالله سبحانه هو الذي قهر عباده بالموت، وقهر الجبابرة بالذل، وقهر كل عزيز بقدرته، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو اسمٌ يدل على أن الله تعالى هو المسيطر على كل المخلوقات، فلا يخرج شيء منها عن إرادته، ولا يُعجِزه شيء في ملكه، فهو الذي يذلُّ من يشاء بقدرته، ويُعِزُّ من يشاء بإرادته، وهو القاهر فوق عباده، فلا يُغالَب ولا يُمانَع، بل هو الذي يقهر كل من عاداه ويكبت كل من تجبَّر وتعالى
وورد ذكر اسم الله القهار في القرآن الكريم ست مراتٍ في القرآن الكريم، وقد اقترن فيها باسمه الواحد ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ]الرعد:16[، وقوله تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ]إبراهيم:48[، وغيرها من الآيات، وقال الخطابي: "القهار" هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق بالموت، والقهار: اسم مبالغة "للقاهر"، وهو الذي خضع له وذل لعظمته وقوته كل شيء، لا يخرج شيء ولا حي عن قدرته وتدبيره وملكه، وقد قهر كل الخلق بالموت، وهذا يفسر - والله أعلم- شيئاً من سر اقتران اسمه "الواحد" باسمه "القهار"، حيث إن من موجبات اسمه الواحد في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهراً قهاراً غالباً لكل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وما من دابة إلا هو سبحانه آخذ بناصيتها، ماض فيها حكمه، عدلٌ فيها قضاؤه، ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ]هود:56[، وكونه تعالى "الواحد" يقتضي كونه "القهار"، فوحدته تعالى وقهره متلازمان، فالواحد لا يكون إلا قهاراً، والقهار لا يكون إلا واحداً، وذلك ينفي الشركة من كل وجه، وإن القهر ملازم للوحدة، فلا يكون اثنان قهاران متساويين في قهرهما أبداً، فالذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده كما كان قاهراً وحده.
كما يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع: وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعُددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحدٌ أحد فرد صمدٌ مستغنٍ عن الظهير والمعين؛ فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره (قصة بدء الخلق، الصلابي، ص1136).
وقهره تعالى يظهر ولا يبقى ثمَةَ مجال للجدل فيه أو المناقشة في الدار الآخرة، فهو القاهر سبحانه لعباده؛ فلا وجود لهم ولا حركة إلا بإذنه؛ لأنه ربهم ومليكهم وخالقهم، ولا حجة بذلك للعباد، فلا يحتج أحد بالقدر وأنه مقهور عل فعل الذنوب والمعاصي؛ لأننا نقول: وإن كان الله تعالى هو القاهر وهو القهار، وهو الخالق للخلق وما يعملون، إلا أن كل عبد يدرك بالضرورة أنه يفعل ما يفعل باختياره، ويترك ما يترك باختياره، فإن هذه الضرورة التي يشعر بها الإنسان وهو يهم بأن يقوم بعمل ما، كأن ينوي السفر أو الإقامة أو الأكل أو النوم، يؤديها وهو يشعر بأنه يؤديها بمحض اختياره وإرادته ورغبته، وأن له الخيار أن يفعل هذا الشيء أو أن لا يفعله، وأن يختار هذا الشيء أو ذاك، وهذا الشعور النفسي الذي يحس به كل واحد من البشر فيما يفعلون أو يتركون هو الذي بموجيه يحاسب العباد، والمؤمن مدركٌ أنه يحاسب بين يدي الله عز وجل، ولذلك تعتدل الكفة في يده وينضبط أمره، ويكون عنه من إيثار الدار الآخرة، وانتظار موعود الله، ما يجعله يترك الملذات والشهوات، لأنه يعلم أنه موقوف بين يدي القهار جل وتعالى ( مع الله، العودة، ص107 بتصرف).
يقول ابن القيم رحمه الله : " القهار لا يكون إلا واحداً، ويستحيل أن يكون له شريك، بل القهر والوحدة متلازمان؛ فالملك والقدرة والقوة والعزة كلها لله الواحد القهار، ومن سواه مربوب مقهور، له ضد ومناف ومشارك، فخلق الرياح وسلط بعضها على بعض تصادمها وتكسر سورتها وتذهب بها، وخلق الماء وسلط عليه الرياح تصرفه وتكسره، وخلق النار وسلط عليها الماء يكسرها ويطفئها، وخلق الحديد وسلط عليه النار تذيبه وتكسر قوته، وخلق الحجارة وسلط عليها الحديد يكسرها ويفتتها، وخلق آدم وذريته وسلط عليهم إبليس وذريته، وخلق إبليس وذريته وسلط عليهم الملائكة يشردونهم كل مشرد ويطردونهم كل مطرد، فاستبان للعقول والفطر أن القاهر الغالب لذلك كله واحد، وأن من تمام ملكه إيجاد العالم على هذا الوجه، وربط بعضه على بعض، وإحواج بعضه إلى بعض، وقهر بعضه ببعض، وابتلاء بعضه ببعض " (طريق الهجرتين، ابن القيم، ص 233)
المراجع:
- مع الله الاسم الأعظم، سلمان العودة، ط5، مؤسسة الإسلام اليوم للنشر، السعودية، 2010م.
- قصة بدء الخلق، علي محمد الصلابي، طبعة دار ابن رجب.
- طريق الهجرتين، ابن القيم