أنواعُ الشفاعةِ
الحلقة: السادسة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020
إنَّ للنبيِّ (ﷺ) يومَ القيامةِ شفاعاتٌ متعدِّدةٌ منها :
1 ـ الشفاعة العظمى:
وهـذه الشفاعةُ مِنْ أعظمِ الشفاعات، وهي المقامُ المحمود الذي قال الله تعالى فيه: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا *﴾ [الإسراء: 79] وذلك حين يتوسَّلُ الناسُ يوم القيامة إلى ادم، ثم نوحٍ، ثم إبراهيمَ، ثم مُوسى، ثم عيسى ، حتى ينتهيَ الأمرُ إلى نبينا محمد (ﷺ): « فيقولون: يا محمّد، أنتَ رسولُ اللهِ وخاتمُ الأنبياءِ، وغفر الله لك ما تقدّمَ من ذنبك وما تأخَّرَ، أشفعْ لنا إلى ربِّكَ، ألا ترى ما نحنُ فيه ؟ ! ألا تَرَى ما قَدْ بلغنا ؟ ! فأنطلقُ فاتي تحتَ العرشِ، فأقعُ ساجداً لربي، ثم يفتحُ اللهُ عليَّ، ويُلْهِمُني من محامدِهِ وحُسْنِ الثناءِ عليه شيئاً لم يفتحْهُ لأحدٍ قبلي، ثم يُقالُ: يا محمَّدُ، أرفعْ رأسَكَ، سَلْ تُعْطه، وقُلْ يُسْمَعْ، واشفعْ تشفّع، فأرفعُ رأسي فأقول: يا ربِّ أُمتي أُمتي، فيقال: يا محمَّدُ أَدْخِلِ الجنَّةَ مِنْ أمتِكَ مَنْ لا حسابَ عليه مِنَ البابِ الأيمنِ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ، وهم شركاءُ الناسِ فيما سَوِى ذلك مِنَ الأبوابِ . والذي نفسِي بيده إنَّ ما بينَ المصراعينِ من مصاريعِ الجنّةِ لكما بينَ مكّةَ وبُصْرَى» .
يعني أنَّ مَنْ لا حسابَ عليه من أمة محمد (ﷺ) يدخلُ الجنة مباشرةً، ولا يمرُّ بما يمرُّ به الناس من أهوالٍ، ثم بعد هـذه الشفاعة يبدأُ الحسابُ، وهـذه الشفاعةُ خاصَّة بنبينا (ﷺ) .
2 ـ اختصاصُه (ﷺ) باستفتاح باب الجنة:
قال رسول الله (ﷺ): « أنا أوّلُ الناسِ يشفعُ في الجنّةِ، وأنا أكثرُ الأنبياءِ تبعاً . وقال رسول الله(ﷺ): « اتي بابَ الجنّةِ يومَ القيامةِ فأستشفعُ، فيقولُ الخازِنُ: مَنْ أنتَ؟ فأقولُ: محمّدٌ، فيقولُ: بِكَ أُمِرْتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلكَ ».
وأوَّلُ مَنْ يدخلُ الجنةَ من الأممِ أمتُه (ﷺ)، فقد قال: « نحنُ الآخروْنَ الأوّلونَ يومَ القيامةِ، ونحنُ أوَّلُ مَنْ يدخلُ الجنَّةَ » .
3 ـ الشفاعةُ في رفعِ درجاتِ أقوامٍ مِنْ أهلِ الجنّةِ فوق ما يقتضيه ثوابُ أعمالهم:
وقد جاء في ذلك بعضُ الأحاديث، ودليلٌ هـذا النوعِ ما ثبتَ في (الصحيحين) وغيرِهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه في استشهاد أبي عامر رضي الله عنه، وفيه: يا بنَ أخِي، انطلقْ إلى رسولِ اللهِ (ﷺ) فأَقْرِئْهُ منِّي السلامَ، وقل له: يقولُ لكَ أبو عامرٍ: استغفر لي، قال: واستعملَني أبو عامرٍ على النَّاسِ، ومكثَ يسيراً، ثم إنّه ماتَ، فلمّا رجعتُ إلى النبيِّ (ﷺ) دخلتُ عليه، وهو في بيتٍ على سريرٍ مُرَمَّلٍ، وعليه فراشٌ، وقد أثَّرَ رمالُ السريرِ بِظَهْرِ رسولِ اللهِ (ﷺ) وَجنْبَيْهِ، فأخبرتهُ بخبرنِا وخبرِ أبي عامر وقلتُ له: قال: قل له: يَسْتَغْفِرْ لي، فدعا رسولُ الله (ﷺ) بماءٍ فتوضَّأَ منه، ثم رفعَ يديه، ثم قال: « اللهمَّ اغْفِرْ لعبيدٍ أبي عامرٍ حتّى رأيتُ بياضَ إبطيه » ثم قال: « اللهمَّ اجعلْه يومَ القيامةِ فوقَ كثيرٍ مِنْ خلقِكَ أو مِنَ الناس »، فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفرْ، فقال النبيُّ (ﷺ): « اللهمَّ اغْفر لعبدِ اللهِ بنِ قيسٍ ذَنْبَهُ، وأَدْخِلْهُ يومَ القيامةِ مَدْخلاً كَرِيماً ».
وعن أمِّ سلمةَ رضي الله عنها قالت: دخلَ رسولُ اللهِ (ﷺ) على أبي سلمةَ، وقد شُقَّ بصرُهُ، فأغمضَه، ثم قال: « إنَّ الروحَ إذا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ » فضجَّ ناسٌ مِنْ أهلِهِ فقال: « لا تَدْعُوْا عَلى أَنْفُسِكُمْ إلاّ بِخَيْرٍ، فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنونَ على ما تقولونَ » ثم قال: « اللهمَّ اغْفِرْ لأبي سَلَمَةَ، وارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيينَ، واخلفْهُ في عَقِبِهِ في الغابرينَ، واغْفِرْ لنا وله يا ربَّ العالمين، وافْسَحْ له في قبرهِ ونوّرْ له فيه » .
4 ـ الشفاعة في بعض الكفار من أهل النار حتّى يخفَّفَ عنهم:
وهـذه الشفاعةُ خاصّةٌ بالنبيِّ (ﷺ) لعمِّه أبي طالب، ويُسْتَدَلُّ لهـذا النوع بحديث في ( الصحيحين ) عن العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: يا رسولَ اللهِ، هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ، فإنّه كانَ يحوطُكَ، ويَغْضَبُ لكَ؟ قال: « نعم، هو في ضَحْضَاحٍ من نارٍ، ولولا أنا لكانَ في الدَّرْكِ الأسفلِ مِنَ النَّارِ » .
وهـذه شفاعةُ تخفيفٍ لا شفاعةُ إخراجٍ من النارِ، وإن كان أهونَ أهلِ النار عذاباً، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ (ﷺ) قال: «أهونُ أهلِ النَّارِ عذاباً أبو طالبٍ، وهو مُنْتَعِلٌ بنعلينِ، يَغْلِي مِنْهُما دِمَاغُه».
5 ـ الشفاعةُ في أهل الكبائر:
شفاعتُه (ﷺ) في أهلِ الكبائرِ من أُمته، ممّن دخل النار، فيُخْرَجُوْنَ منها، وقد تواترت بهـذا النوعِ الأحاديثُ، وهـذه الشفاعةُ تشارِكهُ فيها الملائكةُ والنبيون والمؤمنون أيضاً، وهـذه الشفاعةُ تتكرّر منه (ﷺ) أربعَ مرّات ومن أحاديثِ هـذا النوع، حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): « شفاعتي لأهلِ الكبائرِ من أُمّتي».
6 ـ الشفاعةُ في أقوامٍ يدخلون الجنّةَ بغيرِ حسابٍ:
ويحسنُ أن يستشهدَ لهـذا النوع بحديثِ عمْرانِ بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ (ﷺ): « يدخلُ الجنّةَ مِنْ أُمّتي سبعونَ ألفاً بغيرِ حِسَابٍ » قالوا: وَمَنْ هم يا رسولَ اللهِ ؟ قال: « هُم الذين لا يكتوونَ، ولا يسترقُوْنَ، ولا يتطيّروُنَ، وعلى ربِّهم يتوكّلونَ » فقال عكّاشة بن محصن رضي الله عنه: أدعُ اللهَ أن يجعلَني مِنْهُم، قال: « أنتَ مِنْهُم » قال: فقامَ رجلٌ فقال: يا نبيَّ الله، ادعُ اللهَ أن يجعلَني منهم، قال: « سَبَقَكَ بها عُكّاشَةُ » .
7 ـ شفاعةُ الرسولِ (ﷺ) في أقوامٍ تساوتْ حسناتُهم وسيئاتُهم:
فيشفعُ فيهم ليدخلوا الجنَّةَ، وفي اخرينَ قد أُمر بهم إلى النار، أن لا يدخلونها .
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf