الرؤى؛ ثبوتها وحكمها وأنواعها في سورة يوسف
د. علي محمد الصلابي
(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
من مواضيع سورة يوسف u موضوع الرؤيا، وقد ورد في القرآن الكريم ذكر سبع رؤى في ستة مواضع، ثلاثة مواضع اشتملت على أربعة رؤى، وقد جاءت في سورة يوسف، وهي:
- رؤيا يوسف، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: 4].
- ثمّ الموضع الثاني، وفيه رؤيا صاحبي السجن اللذين ذكرا لسيدنا يوسف ما رأيا، وكلّ واحد منهم رأى رؤيا مختلفة عن صاحبه.
- ثمّ جاءت الرؤيا الرابعة في الموضع الثالث من السّورة، وهي رؤيا الملك، فهذه ثلاثة مواضع اشتملت على أربعة رؤى كلّها في سورة يوسف.
- وتجد ذكر الرؤيا في بقية القرآن، مرّةً في سورة الأنفال عند قول الله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [الأنفال: 43].
- ثمّ الصافات في قصّة إبراهيم مع إسماعيل عليهما السلام، قال الله I: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102].
- والموضع السادس والأخير جاءت فيه الرؤيا السابعة وهي رؤيا النبيّ ﷺ الّتي أخبر الله I عنها من سورة الفتح، فقال: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27]، فهذه سبع رؤى في القرآن أكثر من نصفها جاء في سورة يوسف (آيات للسائلين، العمر، ص68).
ثبوت الرؤى:
إنّ سورة يوسف u تدلّ على ثبوت الرؤى والاعتداد بها سواءً كانت من مؤمن أو غيره، وإن أوّل ما بدأ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح.
فصدْقُ الرؤيا في النوم حقّ، وهذ ثابتٌ بالكتاب والسنة، ويؤيده العقل المتفتح على الواقع، وتؤمن به النّفوس السويّة، ولم ينكر كون الرؤيا الصالحة من الله تعالى إلّا الفلاسفة ومن نحا نحوهم في هذا العصر من بعض المشتغلين بعلم النفس، فجعلوا الرؤى أضغاث أحلام، وهؤلاء يفسرون الرؤى بنوع من أنواع مرئيات المنامات، وينكرون الحقّ فيها، ومثل هؤلاء ومن أخذ بقولهم لا يُلتفت إليهم، لأنّ الرؤيا الصالحة ثابتة بالكتاب والسنة، وهذه الآيات في سورة يوسف دليل عليها. وفي السنة المطهرة عشرات الأحاديث الّتي تتناول الرؤى وتُظهر العناية بها.
أنواع الرؤى:
هناك أحاديث صحيحة تدلّ على أنواع ما يراه الإنسان، وهي ثلاثة أقسام:
- الحلم: وهو من الشيطان، فقال النبيّ ﷺ: "الحلم من الشيطان"، وقال ﷺ: "إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدث به النّاس".
- أضغاث أحلام، أو أحاديث النفس: وهي تفاعل للنفس تجاه الواقع والمواقف الّتي يمر بها الإنسان، فتستخرج هذا المخزون في شكل أحلام، يقول النبيّ ﷺ: " إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وما كانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنَّه لا يَكْذِبُ. قالَ مُحَمَّدٌ: وأنا أقُولُ هذِه. قالَ: وكانَ يُقالُ: الرُّؤْيا ثَلاثٌ: حَديثُ النَّفْسِ، وتَخْوِيفُ الشَّيْطانِ، وبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فمَن رَأَى شيئًا يَكْرَهُهُ فلا يَقُصَّهُ علَى أحَدٍ ولْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ" وهذا الحديث أصل عظيم في موضوع الرؤيا، وإثباتها، وأنواعها، وأقسامها، وكيف نتعامل معها (آيات للسائلين، العمر، ص69).
- الرؤيا الصالحة: لا تحدث بها إلّا من تحب وذلك لأسباب، منها: منع الحسد والضغينة.
- حديث النفس: ومن علامته أن يفكر المرء في أمر ما، ثمّ يرى في نومه ما يتعلق به، كمن يفكّر في شراء سيارة ثمّ ينام فيراها. والموقف منه، الإعراض عنه وعدم الاشتغال به.
- رؤية ما يحزن: وهذا من تهاويل الشيطان، وعلى الرائي:
أولاً: أن يتعوذ بالله من شر ما رأى، ومن شر الشيطان.
ثانياً: ينفث عن يساره ثلاثاً.
ثالثاً: ينقلب على جنبه الآخر.
رابعاً: يقوم فيتوضأ، ثمّ يصلي ما شاء الله.
خامساً: لا يحدث بها أحداً.
ومن عمل بهذا فلن تضره - بإذن الله -، ومن لم يتمكن من عمل هذه الخمس فليعمل بعضها، كأنْ ينقلب على جنبه، وأن يستعيذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، والمهم ألا يحدث بها أحداً، فإنه يُخشى إذا حدث بها أن يكون أثر لها عليه، فقد ورد في حديث عن رسول الله ﷺ: "أن الرؤيا على رِجْل طائر فإذا عُبّرت وقعت".
وسنة رسول الله ﷺ في حياته ومن بقية الأدلة المعتبرة لا تؤخذ من الرؤى لأن اعتمادها سيفتح باباً خطيراً وشرَّاً مستطيراً في زيادة الأحكام أو نسخها، فالدين قد اكتمل والإسلام وقد تم، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ (المائدة: 3). (يوسف الصديق، الصلابي، ص97).
مراجع:
- آيات للسائلين، ناصر العمر، ط1، مؤسسة الرسالة، 2008م.
- يوسف الصديق، علي الصلابي، ط1، دار الأصالة، إسطنبول، 3023م.