الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

سؤالُ كلِّ الناسِ عن أعمالِهم يوم الحساب

الحلقة: الثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020


ذكر الله تعالى في اياتٍ كثيرةٍ أنَّ الكفّار يُسْألون :
كقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *﴾ [الحجر: 92] .
وقوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ *مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ *﴾ [الصافات: 24 25] .
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ *﴾ [العنكبوت: 12 13] .
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*﴾ [النمل: 83 ـ 85] .
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ *أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ *﴾ [المؤمنون: 103 ـ 105] .
وأمّا الآيات التي تدلُّ على أنَّ الكفّار لا يُسْألون :
كقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ *﴾ [القصص: 78].
وقوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جَآنٌّ *﴾ [الرحمـن: 39] وقوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ *وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ *﴾ [المرسلات: 35 ـ 36] ونحو ذلك من النصوص . قال العلماء: إنَّهم يسألون يومَ القيامةِ في موطنٍ دونَ موطنٍ، فالقيامةُ مواطن، فموطِنٌ يكونُ فيه سؤالٌ وكلامٌ، وموطنٌ لا يكونُ ذلك .
وقالوا: إنَّ الكفّارَ لا يُسألونَ سؤالَ شفاءٍ وراحةٍ، وإنَّما يُسألونَ سؤالَ تقريعٍ وتوبيخٍ، لم عملتم كذا وكذا وإنّهم لا يُسالون سؤال استفهامٍ، لأنّه تعالى عالمِ بكلِّ أعمالهم، وإنّما يُسألون سؤالَ تقريع، فيقال لهم: لِمَ فَعَلْتُم كذا.
وقال القرطبيُّ: إنّ معنى قوله تعالى: ﴿يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ *﴾ [القصص: 78] سؤال التعرّف لتمييز المؤمنين من الكافرين، أي إنّ الملائكةَ لا تحتاجُ أنْ تَسْأَلَ أحداً يومَ القيامةِ أن يقال: ما كانَ ديْنُكَ ؟ وما كنتَ تَصْنَعُ في الدُّنيا ؟ حتى يتبيّنَ لهم بإخبارهِ عن نفسه أنّه كان مؤمناً أو كان كافراً، لكنّ المؤمنين يكونون ناضري الوجوه، منشرحي الصدور، ويكون المشركون سودَ الوجوه، زرقاً، مكروبين، فهم إذا كُلِّفوا سوق المجرمين إلى النار، وتميزهم في الموقف كفتهم مناظرهم عن تعرف أديانهم .
ومن حكمةِ الله تعالى في محاسبتهم ووزنِ أعمالهم ـ مع أنَّ أعمالَهم حابطةٌ مردودةٌ ـ أمورٌ منها :
1 ـ إقامةُ الحجةِ عليهم، وإظهارُ عَدْلِ الله فيهم: قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *﴾ [الأنبياء: 47] .
2 ـ أنّ الله يحاسبهم لتوبيخهم وتقريعهم: قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ *﴾ [الأنعام: 30] وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ *الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ *﴾ [الشعراء: 91 ـ 92] .
3 ـ أنّ الكفَّار مكلّفون بأصول الشريعة، كما هم مكلّفون بفروعها: لأنّ الله تعالى قال: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: 6 ـ 7] . فتوعَّدهم على منعهم الزكاةَ، وأخبرَ عن المجرمين أنّهم يقال لهم: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *﴾ [المدثر: 42 ـ 45] . فبانَ بهـذا أنَّ المشركينَ مخاطبون بالإيمان والبعث وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأنّهم مسؤولون عنها، ومُجْزِيُّون بها.
4 ـ أنّ الكفّار يتفاوتون في كفرهم وذنوبهم ومعاصيهم: ويحلّون في النار بمقدارِ هـذه الذنوب، فالنَّارُ دَركاتٌ، بعضُها تحت بعض قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: 145] .

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022