الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

تسخير الجن والشياطين لسليمان (عليه السلام)

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (75)

 

قال تعالى: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾:

سخر الله لسليمان (عليه السلام) الجن والشياطين، وورد الحديث عن تسخير الجن في السور الثلاث: الأنبياء، وسبأ، وسورة ص.

في سورة الأنبياء ما نحن بصدد شرحها، وفي سورة سبأ قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: 12].

- وقال تعالى في سورة (ص): ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾. وتحدثت الآيات عن تسخير الجن والشياطين لسليمان (عليه السلام)، والكلمتان ليستا مترادفتين بمعنى واحد، فهناك فرق بين الجن والشياطين.

والجن: هم الخلق الخاص المقابل للإنس خلقهم الله من النار مقابل خلق الإنس من الطين، وهم عالم قائم بذاته.

والجن نوعان: جن مؤمنون مصلحون مسلمون، وجن كافرون ظالمون مجرمون.

- قال تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: 11]

- وقال تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: 14]

أما الشياطين فهم الكافرون المتمردون على الله، مهما كان جنسهم، وهؤلاء الشياطين منهم من كان من الجن، ومنهم من كان من الإنس، فكل كافر شيطان، سواء كان إنسيّاً أم جنيّاً.

- وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112].

الجن المؤمنون ليسوا شياطين، وهم كالإنس المؤمنين في الإيمان والإسلام والطاعة، وأما الجن الكافرون فهم شياطين، كالإنس الكافرين.

وقد أخبرنا الله أنه سخر لسليمان (عليه السلام) الجن بنوعَيهم: المؤمنين الصالحين، والكافرين الشياطين.

وعلّمنا من القرآن أن أحد الجن المؤمنين تعهد بإحضار عرش ملكة سبأ لسليمان قبل أن يقوم من مقامه: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل: 39].

وكان سليمان (عليه السلام) جازماً في حكم الجن والشياطين، وأيده الله بتسخيرهم وخضوعهم له، فخضعوا له بإذن الله، وكان يستخدم الشياطين من الجن في الغوص في أعماق البحار لاستخراج كنوزها وخيراتها، كما كان يستخدمهم في البناء، ولم يكن سليمان (عليه السلام) يتساهل مع هؤلاء الشياطين البنَّائين والغواصين الذين يقصرون أو يتمردون أو يخالفون، فكان يقيدهم بالقيود ويصفِّدهم بالأصفاد، ولم يخبرنا القرآن عن الطريقة التي حكم سليمان بها الجن والشياطين، ولا عن كيفية وتفاصيل حكمه لهم، ولا نلتفت إلى خرافات الإسرائيليات من أنه كان يحكمهم بالسحر، أو باسم الله الأعظم، أو بخاتمه السحريّ العجيب، كل ما نعرفه أنه حكمهم بإذن الله، فالله هو الذي سخّرهم له وأخضعهم لحكمه، فالأمر أمر الله في الحقيقة نعمةً منه على نبيّه سليمان (عليه السلام).

جـ- ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ أي أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه، وجعلهم يعملون في خفاء، ولا يؤذوا أحدًا من الناس، فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم، وجعلهم منقادين له وقائمين له بخدمته، دون عناء له، وحال دونهم ودون الناس لئلا يؤذيهم. وقوله: ﴿لَهُمْ﴾ يتعلق بـ﴿حَافِظِينَ﴾. واللام لام التقوية والتقدير: ﴿حَافِظِينَ﴾؛ أي: ما نعينهم على الناس.

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 339-342.

- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، (3/ 502 - 503).

- التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، (7/308).

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022