الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

من أسماء الله الحسنى اسم" الرب"

د. علي محمد الصلابي

الله هو الربُّ، المالك، المدبر، الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، ولا معبود بحق سواه. فهو رب كل شيء ومليكه، ولا يشاركه في ربوبيته أحد، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والله تعالى هو الذي ربى خلقه بنعمه، وأسبغ عليهم من فضله، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وهو الذي يدبر أمورهم، ويقوم على شؤونهم، ويحفظهم من كل سوء، فسبحانه من رب عظيم، لا يُعجزه شيء، ولا يفوته مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وهذا الاسم العظيم يملأ القلب هيبة وخشية، فالله تعالى هو الرب الجليل، الذي إذا أراد شيئاً قال له: "كن فيكون"، وهو الذي يقبض السماوات بيمينه، ويطوي الأرض كطي السجل للكتب. فكيف لا يخشاه العباد، وكيف لا يخضعون لعظمته وجبروته.

والربّ هو المربي لجميعّ عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأخصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم، ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة. وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله I في كتابه الكريم عن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وأوليائه الصالحين حيث صدّروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم، ومن ذلك:

- دعاء آدم وحواء عليهما السلام بقولهما: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].

- دعاء نوح u : ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: 28].

- دعاء يوسف u: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33]. وهكذا مع الأنبياء وكذلك الصالحين في القرآن الكريم.

- ومن معاني الربوبيّة، اختصاصه سبحانه بجلب المنافع ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات، فإن العباد بما أودع الله في فطرهم من معرفة ربهم بهذه الصفات- يلجؤون إلى ربهم ويتضرعون إليه في الشدائد والملمّات، وينفضون أيديهم من كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ، وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته أثّر هذا في دعائه وقوة رجائه ولجوئه وتضرّعه لربه سبحانه، والوثوق بكفايته سبحانه، وقدرته على قضاء حوائج عباده (يوسف النبي الوزير، الصلابي، ص120).

 وربوبية الله عَز وجل نوعان:

ـــ ربوبية عامة: تشمل كل مخلوق براً كان أو فاجراً، مؤمناً أو كافراً، وهي تربيته لهم أجمعين بالخلق والرزق والتدبير والإنعام والعطاء والمنع والخفض والرفع وغيرها.

ــــ وتربية خاصة: لأوليائه حيث رباهم فوفقهم للإيمان به والقيام بعبوديته، وغذَّاهم بمعرفته والإنابة إليه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور ويسَّرهم لليسرى وجنبهم العسرى؛ ويسّرهم لكل خير وحفظهم من كل شر ولهذا كانت أدعية أولي الألباب والأصفياء الواردة في القرآن باسم الربٌ استحضاراً لهذا المطلب، وطلب منهم لهذه التربية الخاصة: فتجد مطالبهم كلها من هذا النوع واستحضار هذا المعنى عند السؤال نافع جداً للعبد، وهذا الاسم الكريم إذا أفرد تناول في دلالاته سائر أسماء الله الحسنى، ومن الآثار المسلكية للإيمان بهذا الاسم عبادة الله وحده لا شريك له، ومعرفة فضله وجوده وإحسانه على عباده بهدايتهم ورعايتهم، واستحضار معنى تربيته للعبد وتوفيقه عَز وجل له عند سؤاله ودعائه بهذا الاسم ( المختصر في أسماء الله الحسنى، بندر العبدلي، ص124).

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «الرب في كلام العرب متصرف على معان، فالسيد المطاع فيهم يدعى ربّاً والرجل المصلح الشيء يدعى رباً والمالك للشيء يدعى ربه، وقد يتصرف أيضاً في وجوه غير ذلك غير أنها تعود على بعض هذه الوجوه الثلاثة، فربنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بها أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر» (تفسير الطبري، م1،ص142).

بل إنَّ هذا الاسم إذا أفرد تناول في دلالاته سائر أسماء الله الحسنى وصفاته العلياء، وفي هذا يقول العلّامة ابن القيم رحمه الله: «إِنَّ الربّ هو القادر الخالق البارئ المصوّر الحيّ القيُوم العليم السميع البصير المحسن المنعم الجواد، المعطي المانع، الضار النافع المقدّم المؤخر الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء؛ إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى (بدائع الفوائد، ابن القيم، م2، ص212).

وذلك أن من يُمعن النظر في هذا الاسم ويتأمّل في دلالته يشهد «قيوماً قام بنفسه» وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها قد استوى على عرشه: وتفرّد بتدبير ملكه، فالتدبير كله بيديه، ومصير الأمور كلها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرّفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب، وإغاثة الملهوفين، وإجابة المضطرين، لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع ولا معقّب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مبدّل لكلماته، تعرج الملائكة والرّوح إليه، وتعرض الأعمال أوَّل النهار وآخره عليه فيقدّر المقادير، ويوقت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائماً بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه».  وربوبية الله للعالمين تشمل العالم كله، فهو الذي رَبَى جميع المخلوقات بنعمه وأوجدها بمشيئته وقدرته، وأمدها بما تحتاج إليه، أعطى كل شيء خلقه اللائق به ثم هدى كل مخلوق لما خلق له، وأغدق على عباده النعم، ونهاهم وغذّاهم وربّاهم أكمل تربية (فقه الأسماء الحسنى، البدر، ص80).

 

مراجع:

  • المختصر في أسماء الله الحسنى، بندر العبدلي، ط1، 2020م.
  • يوسف عليه السلام، علي الصلابي، ط1، دار الأصالة، إسطنبول، 2023م.
  • فقه الأسماء الحسنى، عبد الرزاق عبد المحسن البدر، دار التوحيد، الرياض، 2008م.
  • تفسير الطبري
  • بدائع الفوائد، ابن القيم

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022