من كتاب الوسطية في القرآن الكريم:
(من وسطيَّة القرآن في الأخلاق الشمولية)
الحلقة: الثانية والستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ يناير 2021
إنَّ الأخلاق في القرآن الكريم لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية: روحية، أو جسمية، دينية، أو دنيوية، عقلية، أو عاطفية، فردية، أو اجتماعية إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، يختلف عما رسمه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين، وباسم الفلسفة، وباسم العرف أو المجتمع، حيث إنَّ القرآن الكريم، والسنة النبوية رسمت منهجاً متكاملاً شاملاً واقعيّاً في مجال الأخلاق، منسجماً متناسقاً مع طبيعة الإنسان، وإليك التفصيل كما جاء في الكتاب المبين:
1 ـ الأخلاق التي تتعلَّق بالفرد في كافة نواحيه:
أ ـ الجسم له ضروراته وحاجاته:
قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *}[الأعراف:31].
ب ـ العقل له مواهبه وآفاقه:
قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[يونس:101].
ج ـ والنَّفس لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا *}[الشمس: 9 ـ 10].
2 ـ ومن أخلاق القرآن ما يتعلَّق بالأسرة:
أ ـ كالعلاقة بين الزوجين:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا *} [النساء:19].
ب ـ وكالعلاقة بين الأبوين والأولاد:
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ً} [الأحقاف: 15].{وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا *}[الإسراء:31].
ج ـ وكالعلاقة بين الأقارب والأرحام:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل: 90] {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}[الإسراء:26].
3 ـ ومن أخلاق القرآن ما يتعلق بالمجتمع:
أ ـ في آدابه ومجاملاته، مثل:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *}[النور:27].
ب ـ وفي اقتصاده ومعاملاته:
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *}[المطففين: 1 ـ 3] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ}[البقرة:282].
ج ـ وفي سياسته وحكمه:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58].
4 ـ ومن أخلاق القرآن ما يتعلق بالكون الكبير:
حيث إنه مجال التأمل، والاعتبار، والنظر، والتفكر، والاستدلال بما فيه من إبداع وإتقان على وجود مبدعه، وقدرته، وعلى علمه، وحكمته، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأِولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} [آل عمران: 190 ـ 191].
5 ـ وقبل ذلك كله، وفوق ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم، سبحانه وتعالى؛ الذي منه كل النعم، وله كل الحمد:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} [الفاتحة: 2 ـ 6].
فهو وحده الحقيق بأن يحمد الحمد كله، وأن ترجى رحمته الواسعة، وأن يخشى عقابه العادل يوم الجزاء، وهو وحده الذي يستحق أن يعبد، ويستعان، وأن تطلب منه الهداية إلى الصراط المستقيم.
إنَّ القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد عليم، لذلك نظرته شاملة جامعة محيطة مستوعبة في كافة الأمور الأخلاقية وغيرها ؛ لأنه وحي من أحاط بكلِّ شيء علماً، وأحصى كلَّ شيء عدداً.
يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: