إمامة وجدارة
بقلم الشيخ الدكتور سلمان العودة
الحلقة الخامسة
22 شوال 1443ه/ 23 مايو 2022م
لقد كان هؤلاء الأَفْذاذ حائزين على منصب الولاية والإمامة بجدارة، وهو منصب ربَّاني لا يُمنح إِلَّا لمَن يستحقه، لم يكن شهادة فحسب، ولا معرفة علمية مجرَّدة، كان عِلْمًا وعملًا وإيمانًا، كما في الآية الكريمة: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
لذا كان سُفيان بن عُيينةَ يقول: «أخذوا برأس الأمر، فجعلهم رُؤوسًا»
قال ابن القيم: سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: «بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين». ثم تلا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24]
أتوقَّف أمام الصف الطويل من القامات الكبيرة والأسماء اللامعة، من فقهاء وعلماء ومحدِّثين ومفسِّرين وعُبَّاد ورُواة ومُصَنِّفين، ممن ازدحمت بأسمائهم الكتب والدواوين، وخلَّد التاريخ ذكرهم المجيد، وكيف استوى هؤلاء الأربعة على قَصَبِ السَّبْق دون عناء، ولا إرادة منهم لهذه المنزلة، فلم يكونوا متطلِّعين أو متشوِّفين إليها.
وثَمَّ فقهاء عظام، كفقهاء المدينة السبعة، والأَوْزاعي والثَّوري وأبي ثَوْر واللَّيْث ابن سعد، وفقهاء الظاهرية، فضلًا عن المذاهب الإسلامية الأخرى، والتي تتشابه من حيث الفروع الفقهية مع فقه الأربعة، إِلَّا أن أيًّا منها لم يحظ بالاهتمام ذاته الذي حَظِيت به هذه المدارس، إضافة إلى مدرسة جعفر الصَّادق، والتي غلب عليها مع الوقت التميُّز العَقَدي، فلم تعد تُعرف كمدرسة فقهية مستقلَّة إِلَّا بهذا الاعتبار.
ولقد توافر لكلِّ مذهب من الشُرَّاح والمدونين والعلماء المنتسبين ممن هم بأعلى المقامات، فكلُّ مذهب هو مدرسة عريقة ممتدة يتعاقب على دخولها وزعامتها والتدريس فيها الجمُّ الغَفِير من الأَفْذاذ، ويتخرَّج منها الأذكياء الحُذَّاق، وتتزاحم رفوفها بالكتب النادرة والمصنَّفات العظيمة، وقد أقام الله لهذه المذاهب مَن يضبطها ويحرِّر قواعدها، حتى حُفظت بأصولها وفصولها، وتم لها من التَّقْعِيد والإلحاق والتفريع والتدوين والضبط، مما جعل معظم الفروع الفقهية تنتسب إليها وتدور عليها.
ففي المذهب الحنفي ما يسمَّى بـ: «مسائل الأصول»، وتسمَّى أيضًا: «ظاهر الرواية»، وهي: «المبسوط»، و«الزِّيادات»، و«الجامع الصغير»، و«الجامع الكبير»، و«السِّيَر الكبير»، و«السِّيَر الصغير»، وكلها لمحمد بن الحسن الشَّيباني.
وإنما سمِّيت: بـ«ظاهر الرواية»؛ لأنها رُويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه، إما متواترة أو مشهورة.
ومن المختصرات: «مختصر الطَّحاوي»، و«مختصر القُدُورِي»، و«كنز الدَّقائق» للنَّسَفي.
ومن الشروح: «فتح القدير شرح الهداية» للكمال ابن الهُمام، و«البناية شرح الهداية» للعَيْني، و«تبيين الحقائق شرح كنز الدَّقائق» للزَّيْلعي، و«البحر الرَّائق شرح كنز الدَّقائق» لابن نُجيم، و«حاشية ابن عابدين شرح الدُّر المُختار».
ومن الفتاوى والوَاقِعات: «فتاوى قاضيخَان»
ومن أهم كتب المذهب المالكي: ما كتبه الإمام بنفسه، وهو «الموطأ».
ومنها ما جُمعت فيه أقوال الإمام مالك؛ نحو: أسمِعَة الأصحاب، كعبد الرحمن بن القاسم، وأَشْهب، وعبد الله بن وهب، وغيرهم، و«المدونة» لسُحنون.
ومن المتون: «الرسالة» لابن أبي زيد القَيْرَواني، و«الشرح الصغير» للدَّردِير، و«متن خَليل».
ومن الشروح: «الفواكه الدَّواني» للنَّفْراوي المالكي، و«تَنوير المقالة» للتَّتَائي، و«الشرح الكبير» لابن عَرَفة الدُّسوقي، و«شرح الخَرَشي لمتن خَليل»، و«بُلغَة السالك لأقرب المسالك» للصَّاوي المالكي.
وكذا كتب الفقه المقارن، نحو: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لابن رُشد الحفيد.
ومن أهم كتب الشافعية: ما كتبه الإمام الشافعي: «الأم»، و«الرسالة».
ومن المختصرات: «مختصر المُزني».
ومن المتون: «المهذَّب» للشِّيرازي، و«الوَجيز في الفقه» لأبي حامد الغَزَالي، و«منهاج الطَّالبين» للنَّووي، و«منهج الطُّلاب» لزكريا الأنصاري، وهو مختصر «منهاج الطالبين».
ومن الشروح: «المجموع شرح المهذَّب» للنووي، وأكمله السُّبكي ثم المُطيعي، و«العزيز شرح الوَجيز» للرَّافعي، و«مُغني المحتاج في ألفاظ المنهاج» للخطيب الشِّرْبيني، و«نهاية المحتاج شرح المنهاج» للرَّملي، و«حاشية الجَمَل شرح منهج الطُّلاب».
وهناك كتب في تحقيق المذهب، منها: «الحاوي الكبير» للمَاوَردي، و«البيان في الفقه الشافعي» للعِمراني
أما أهم كتب الحنابلة، فمنها ما جمع مسائل الإمام أحمد وفتاواه وإجاباته، نحو: «الجامع» للخلَّال، وروايات أبنائه وتلاميذه عنه.
ومن المتون: «مختصر الخِرقي»، و«المُقنع» و«عُمدة الفقه» لابن قدامة، و«الإقناع» للحَجَّاوي، و«الرَّوض المُرْبِع» للبُهُوتي.
ومن الشروح: «المغني» لابن قُدامة، وهو شرح «مختصر الخِرَقي»، وكذا «شرح الزَّركشي»، و«الشرح الكبير على متن المُقنع» لعبد الرحمن ابن قدامة، و«العُدة شرح العُمدة» لبهاء الدين المقدسي، و«كشَّاف القِناع شرح الإقناع» للبُهُوتي، و«حاشية الرَّوض المُرْبِع» لعبد الرحمن بن قاسم.
ومن كتب المحقِّقين: «الفروع» لابن مُفلح، و«الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» للمَرْداوي
كما أن التاريخ الطويل لهذه المذاهب، جعل المؤرِّخين لها يقسِّمون تاريخها إلى أَطْوار وأَدْوار؛ ليسهل رصده وفهمه، وربما اختصَّ كل طور ودور منها باصطلاحات خاصة، تُتداول في كتبهم.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 15-12
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: