الإثنين

1446-12-13

|

2025-6-9

مركز التوازن عند الأئمة الأربعة

د. سلمان العودة

الحلقة التاسعة

26 شوال 1443ه/ 27 مايو 2022م

الملحوظ أن أيًّا من الأئمة الأربعة لم يقبل ولاية رسمية للقضاء أو المظالم أو غيرها، وفي الوقت ذاته لم يكن حزب معارضة، وإن كانوا جميعًا تعرَّضوا للاتِّهام بشيءٍ من ذلك، وامتُحنوا فيه، إِلَّا أن السياق يدل على أنهم كانوا ضحية الفكرة التي ترى أن مَن لم يكن معي فهو ضِدِّي، فكان استقلالهم الفكري سببًا في الاشتباه وكثرة الوشاية وسوء الظن، بل وتفسير القول أو الفتوى حين تصدر منهم تفسيرًا سياسيًّا.

وهم في حقيقة الأمر يمثِّلون الطريق الثالث بين مجموعة السلطة ومجموعة المعارضة، وهذا يمكِّنهم من أداء دور ريادي في حفظ التوازن داخل المجتمع بين مكوناته المختلفة، من سلطة وشعب، وتيارات فكرية وعلمية، وانتماءات عِرْقِية وقَبَلِيَّة، واختلافات مذهبية.

إن وقوفهم على مسافة واحدة أو متقاربة من هذه المكونات، واحتفاظهم بقدر من الحياد والاتصال، يسمح بأن يكونوا نقطة توازن وانضباط تحفظ المجتمع الإسلامي من الانخراط في مزيد من الصراعات الداخلية أو التمزُّق وانفراط العِقد.

وهذه مهمة يُحتاج إليها اليوم أشد الحاجة في ظل التحولات العميقة التي تشهدها دول عربية، حيث يمكن أن تكون بداية إيجابية لبناءٍ متماسكٍ، يجد الفرد فيه نطاقه الصحيح، وأن تستأنِف المؤسسة الدينية حضورها المستقل بعد أن صُودرت أو أصبحت ظلًّا كئيبًا لسلطة مستبدة.

إن اتساع الفجوة وضعف ثقافة التعايش بين الناس، يحضِّر لنزاعات تستعد للظهور كلما آنست ظروفًا تخدمها.

فوجود مرجعية علمية ودوائر وسيطة تعزِّز قوة الضعيف وتُنَهْنِهُ اندفاعَ القوي، وتتوسط في المعضلات، وتنشر الوعي الضروري للحياة والفهم والتسامح، وتشجِّع على العدل وحفظ الحقوق؛ مما يخدم السِّلْم الاجتماعي والأمن الوطني في أي بلد، ويحول دون ظهور تيارات العنف والغلو والتطرف في أي اتجاه، وهو يرجِّح الكِّفَّة حين يصبح الصراع أمرًا قائمًا لا محالة، وتكون الأمة في حالة مخاض جديد أو تحوُّل تقتضيه المتغيرات والمجريات والسنن كما يحدث كثيرًا.

في بلاد العالم حكومات قوية تقابلها مجتمعات قوية، بروابطها وتنظيماتها ونقاباتها ومؤسساتها السياسية والتطوعية والاجتماعية، وهذا يجعل الشعب قويًّا بحكومته، والحكومة قوية بشعبها.

ومعظم البلاد الإسلامية تفتقد هذا التوازن الضابط لمركز القوة، الحافظ للاتصال، إنها «المؤسسات الوسيطة» أيًّا كان عنوانها، المقبولة على نطاق واسع، رسمي وشعبي، المعنيَّة بأداء هذه المهمة الخطيرة التي قد لا يفطن لها الناس، إِلَّا حينما تبدأ المجتمعات في التآكل والتفتُّت.

إن الاختلاف المذهبي والطائفي، بل والمِلِّي، فضلًا عما دونه، ليس مؤهِّلًا دائمًا للصراع والتطاحن، والنص القرآني الكريم يقول: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) [الرحمن:10]، فداخل الدائرة الإسلامية يتم التحاكم إلى الأصول الضابطة، والقواعد الجامعة، والضروريات الشرعية والمصالح المشتركة، وحين يتعذَّر ذلك بسبب اتساع الخلاف وتجاوز المحكمات، وعدم القدرة على تلافيه بالحوار والمجادلة الحسنة، تبقى الدائرة الأوسع، وهي دائرة (لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 13]، لتكون المعرفة بينكم أساسًا للعلاقة، ولتتبادلوا المعارف، ولتتعاملوا بالمعروف والبر والإقساط.

وربما تلتقي مصلحتك ومصلحة مخالفك في نقطة واحدة من منافع التجارة أو الإدارة أو الصحة أو التنمية أو الصناعة أو غيرها.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 25-23

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022