الرجوع إلى الحق فضيلة
د. سلمان بن فهد العودة
الحلقة الخامسة عشر
ذو القعدة 1443ه/ يونيو 2022م
كان من جراء تواضع الأئمة الأربعة العلمي واستعدادهم النفسي، أن قاموا بمراجعة لآرائهم ومواقفهم واجتهاداتهم وتعديلها إذا اقتضى الأمر.
والأصول تدل على أن أي منهج أو مدرسة لا يقع التصويب أو التصحيح والمراجعة ضمن مبادئها، فمآلها الإصرار على الخطأ والتعصُّب للرأي والفساد.
كان للشافعي قول قديم بالعراق، وأحدث قولًا جديدًا بعد انتقاله إلى مصر، كان ذلك بسبب زيادة علمه وفهمه، وبسبب نضجه الحياتي، ومعايشته بيئة جديدة مختلفة عما عرف من قبل، وفيها عوائد وأعراف وأحوال لم يعهدها في العراق، فضلًا عن السن وتأثيره على نظرة المرء ومزاجه، ولم يَخْشَ من انكسار جاهه، ولا تحيَّر فيما يقوله لمَن تابعوه على قوله القديم، وهل سينقلهم معه؟
ومن الحجة للشافعي في ذلك ما تواتر من الفروق بين مجتمع المدينة ومجتمع مكة، وقد ألَّف الضياء محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المُناوي كتابًا سماه: «فرائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهد واحد». وفي كل مذهب من المذاهب الأربعة روايتان أو قولان أو أكثر للإمام نفسه في مسائل عديدة.
يقول أبو يوسف: «ما قلتُ قولًا خالفتُ فيه أبا حنيفة، إِلَّا وهو قولٌ قد قاله أبو حنيفة ثم رغب عنه».
وقد خالف أبو حنيفة هنا نفسه، ثم خالفه تلاميذه في معظم مسائل المذهب، مع رجوعهم إلى الأصول والقواعد التي كان يقول بها.
وفي مذهب مالك نُقل عنه إلى العراق نحو سبعين ألف مسألة، فاختلف الناسُ في مذهبه لاختلاف نشرها في الآفاق.
أما في المذهب الحنبلي، فثَمَّ ما يُعرف بالوجهين والقولين، والتي جُمعت في طائفة كبيرة من كتب التلاميذ والرواة، منها كتاب: «الروايتين والوجهين» للقاضي أبي يعلى الفرَّاء.
والمذهب الحنبلي غني بالروايات المتعدِّدة، التي تكون أحيانًا بعدد الأقوال المأثورة في المسألة، وفي «المغني» وغيره شيء كثير من ذلك.
وهذا يعود إلى طبيعة المسائل الفرعية، وأن الأمر فيها قريب، كما قال ابن تيمية.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 35-34
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: