الأحد

1446-11-20

|

2025-5-18

إن كل الذين ادعوا انتساب الأمير عبد القادر إلى هذه الجمعية لم يقدموا أي دليل مادي أو مستند وثائقي يثبت صحة ادعائهم، ومنهم من يعتذر خشية الإطالة عن عدم تقديم الأدلة أو الوثائق، ويكتفي بإبراز صورة الأمير عبد القادر المعروفة، وهو يرتدي الأوسمة التي وصلته من ملوك ورؤساء العالم، وعلى صدره وشاح الفروسية الأحمر الذي أهداه إياه ملك إيطاليا فيكتور عما نوئيل مع الوسام الذي جاءه بمناسبة إنقاذ أرواح خمسة عشر ألف مسيحي في الفتنة المشهورة، وهذا من دون أي تعليق سوى عدم الرغبة في الإطالة، والحقيقة أن هذه الحجة هي أيضاً باطلة، لأنه لو توافرت الوثيقة مهما كانت لما أحجموا عن ذكرها، والحقيقة أنه لا يوجد أي مستند سوى أقوال تدخل في باب “القيل والقال” نقلاً عن مصدر بريطاني بقصد الدعاية لهذه الجمعية وخدمة غايات استعمارية مفضوحة لا أكثر. وكثير من المستشرقين كانوا يقدمون خدمات قيّمة لبلادهم المستعمِرة تشجعهم عليها حكوماتهم لأغراض استعمارية غير خافية، ولكن مما يؤلم أن نرى أكاذيبهم وقد تناقلتها أقلام مؤلفين من أبناء أمتنا وكأنهم أفعى ظفرت بصيد ثمين.

ولعل من الأدلة الدامغة التي أوردها الدكتور فؤاد صالح السيد، مقال للأمير سعيد حفيد الأمير، فيه نفي صريح وشديد وتبرئة للأمير عبد القادر مما نسب إليه في هذا الموضوع. ومما جاء في نص الأمير سعيد، في مجلة الحقائق في عام 1869م: “دُعي الأمير عبد القادر مع من دُعي من ملوك لحضور احتفالات فتح ترعة السويس، وبينما الأمير عائداً لسورية عن طريق الإسكندرية، اغتنمت الجمعية الماسونية فرصة وجوده في ذلك القطر، فأوفدت إليه هيئة من أعضائها تكلمت أمامه عن مبادئ الماسونية وخدمتها للإنسانية، فأثنى الأمير على ما ادّعته من خدمات للإنسانية، فاتخذ بعض المنتمين لهذه الجمعية من هذه الزيارة إشاعة حسنة لدخول الأمير في جمعيتهم وبالتأكيد هذا الزعم باطل”.

وقد ألف أحد الكتاب الفرنسيين مع اثنين جزائريين كتاباً وضُع فيه ثلاث أو أربع رسائل رغم أنها من الأمير إلى الجمعية، قُلدّ فيها خط الأمير وزوّر توقيعه، مع العلم أن تقليد خط الأمير عبد القادر من قبل الفرنسيين وغيرهم أصبح من استراتيجيتهم التي غايتها خدمة أهدافهم، ولقد فضح الدكتور صالح الخرفي عام 1971م في مجلة الثقافة الجزائرية في عددها الرابع، هذه المؤامرة القديمة على فكر الأمير عبد القادر، وذكر الدكتور من أسماء من يرعوا في هذا الفن، فن تقليد خط الأمير، منهم هنري بيريس وشيربونو، الذي كان في الجزائر الوصي على اللغة العربية وتقليد أنواع خطوطها قبل استقلال الجزائر.

إن هذا المسلك الخادع ضد الأمير عبد القادر هو محاولة فاشلة لتشويه جهاده وسيرته المجيدة، فالمستهدف هو ما يمثله من قيم دينية ومثل وطنية وأخلاق ربانية ومبادئ إيمانية ومواقف إسلامية، فالأمير عبد القادر رمز للشعب الجزائري وللأمة الإسلامية والشعوب الحرة التي تسعى لنيل حقوقها وحريتها وكرامتها. وإن حياته صفحة بيضاء ناصعة واتهاماتهم الباطلة تتساقط أمام الحقائق الراسخة، وتتلاشى أمام الحجج الدامغة، وتذهب جفاء؛ لأنها زبد، وسيرته العطرة تبقى نبراساً وقدوة وأسوة لأنها تنفع الناس. إن أعداء الأمة الإسلامية حرصوا على تشويه حتى سير الأنبياء والافتراء على تاريخهم، وقد عانى من ذلك أيضاً صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يسلم أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، من الطعن والإفتراء والتشويه.

إن اتهام الأمير عبد القادر بالانتساب إلى الماسونية لا قيمة لها مجرد دخولها مجال البحث العلمي، ولا وجود لها في حقائق التاريخ المعاصر، وإنما تدخل ضمن الحرب الاستخباراتية في تشويه رموز النضال الشعبي والكفاح الوطني والجهاد الإسلامي في هذه الأمة، ويأبى الله إلا أن تظهر أنوار الحقيقة لتزيل ظلام البهتان وادعاءات المزورين والمفترين في شرق الأرض ومغربها.

الحلقة الثانية والأخيرة. 

(المصدر: جريدة الحوار الجزائرية) 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022