الجمعة

1446-11-18

|

2025-5-16

إن قادة الأمم والشعوب في الصراعات البشرية لا يستغنون أبداً عن الحوار والمفاوضات مهما كانت طبيعة الصراع والتضحيات الجسيمة ففي النهاية لابد من السلم والوصول إلى معاهدة أو اتفاق يرضى عنه الجميع أو يفرضه الأقوياء، وفي تاريخنا الإسلامي العظيم صور من الحوارات والمفاوضات الصعبة والتي ترتب عليها الانتقال من حالٍ إلى حال مع أعداء الأمة فمن باب أولى بين المسلمين.

المفاوضات بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد ملك بريطانيا

لا شك أن ريتشارد مع جيوشه الصليبية كان ظالماً ومُحتلاً لبلاد المسلمين إلا أن الظروف الّتي مرّ بها الطّرفان اضطرّتهم للمفاوضات واستمرت خمسة عشر شهراً، واقتضت اثنان وأربعين جلسة للمفاوضات تنقطع وتتصل، وكان صلاح الدين يهدي إلى ريتشارد قلب الأسد الثلج والفواكه واللحوم وغير ذلك لعدوّه ريتشارد ملك بريطانيا، وبادله ريتشارد بالهدايا أثناء الحوارات والمفاوضات، فقد كانت شاقة وصعبة ومرهقة بُنيَت على فقه السياسة الشرعية بالنسبة لصلاح الدين بدفع المفاسد وجلب المصالح، وبتأصيل من علماء راسخين على رأسهم القاضي الفاضل الّذي قال فيه صلاح الدّين" ما فتحت بلداً بسيفي ولكن بقلم القاضي الفاضل" أي بآراءه وأفكاره وتوجيهاته.

وافق صلاح الدين وتم الصلح، وكانت مدّته ثلاث سنوات وثلاث أشهر تمّ تمديدها في زمن الملك العادل أخو صلاح الدين.

ولمّا تمّ الصّلح أذِن صلاحُ الدين للفرنجة بزيارة بيت المقدس، واختلط عسكر المسلمين بعسكر الفرنجة.

وذهبت جماعة من المسلمين إلى يافا لطلب التّجارة، كما وصل خلق عظيم من الصليبين إلى القدس للحج، وحرص صلاح الدين على حماية أعراضهم وأموالهم، ومساعدتهم في الرجوع إلى ديارهم سالمين آمنين.

فإذا كان هذا الصّلح تمّ بين قائدين لأمتين تختلفان في العقائد والتصورات والأفكار، فمن باب أولى أبناء الوطن الواحد والعقيدة الواحدة والدين الواحد الّذين رضوا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ نبياً ورسولا.

للوصول إلى العدل

ورفع الظّلم

وجبر الضرر

وإحقاق الحقوق

ومحاسبة المفسدين

وبناء دولة القانون والمؤسسات

وحفظ السيادة المنتهكة

والوصول لسطلة شرعية منتخبة تتميز بصفات القيادة الوطنية الأصيلة المحافظة على هويّة شعبها وقيمه المتجسّدة في صفات رجال الدولة الطموحين للتجديد والإصلاح بفريق متماسك قوي همّه خدمة الشعب لا سرقة ثرواته، والتصدي للاختراقات الأمنية والاقتصادية... إلخ.

فالحوار مبدأ إسلامي وإنساني

وحقن الدماء بين المسلمين مقصد قرآني

والمصالحة الوطنية الشاملة العادلة أمل شعبيٌّ كبير

فتشجيع وتوسيع الحوار بين الفرقاء والخصوم من ألوان الطيف الليبي دون استثناء أحد للوصول إلى المقاصد المذكورة يدل عليه الشرع والعقل والمنطق والحس الإنساني الرفيع

والقائد الّذي لا يستطيع الجلوس مع خصومه للحوار والمفاوضات والدفاع عن أهدافه ومقاصده ليس بقائد، وإنما ذلك دليل ضعف واهتزاز وعدم دراية بمصالح شعبه

ومهما كان هذا القائد فيه من صلاح، ونظرة سيّئة إلى خصمه وعدوّه فليس هو بأفضل من موسى- عليه السلام- ولا عدوّه بشرٍّ من فرعون- لعنهُ الله-

إن معركة السلام والمصالحة الوطنية الشاملة العادلة تحتاج لرجالٍ كبار في الهمم والعزائم والمقاصد

وكم سقط ويسقط في معركة السلام من أناس وينجح آخرون لأنها معركة النوايا والخفايا المطّلع عليها علّام الغيوب

من يسعى لنفسه أو لحزبه أو لشعبه ووطنه ودينه وقيمه فالله عالمٌ بالجميع

إن المخطط لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول:

١- دولة الجنوب ويكون سكانها الأفارقة، ومنع الهجرة لأوروبا، والإتيان بشعبٍ إفريقيٍ جديد مخطط قديم.

٢- دولة الشرق، وتكون تابعة للجار الشرقي لحل الأزمات الاقتصادية والسكانية الّتي يمر بها ذلك النظام، والهيمنة الأمنية والاقتصادية من ذلك النظام لا يخفى على العقلاء والوطنيين لدعم من دول كبرى.

٣- دولة الغرب

من حيث المسمّى ليبيا، ومن حيث الواقع شبه ثلاث دول.

هذا المخطط الإجرامي الخبيث لا يمكن التصدّي له إلا بالله، ثمّ توحيد جهود الوطنيين من كل ألوان الطيف لبناء الدولة وحفظ السيادة والحفاظ على مكتسبات شعبنا ومقاصد الشريعة الكُبرى، والله من وراء القصد.

المصدر: الإسلام اليوم 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022