هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغر بيك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُرِّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم, ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلاً سار في الناسِ سيرة حسنة، كريماً رحيماً، شفوقاً على الرعية، رفيقاً على الفقراء، بارّاً بأهلهِ، وأصحابهِ، ومماليكهِ، كثير الدعاء بدوام ما أنعم بهِ عليه، كثير الصدقات، يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقاً بهم.
جهادهُ في سبيل الله:
كان ألب أرسلان ـ كعمه طغرل بك ـ قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمهِ في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته، كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدول المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن، وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان، وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الإسلام، ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية, لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي، وعندما اطمأنَّ على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم، والبلدان الخاضعة له؛ أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة ، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية ( العبيدية ) في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنية ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشاً كبيراً اتجه به نحو بلاد الأرمن، وجورجيا فافتتحها، وضمَّها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق. وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414 هـ) ، وأجبر أميرها محمود بن صالح ابن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي، بدلاً من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة (462 هـ). ثم أرسل قائد الترك أتسز بن أوق الخوارزمي، في حملة إلى جنوب الشام؛ فانتزع الرملة، وبيت المقدس من الفاطميين العبيديين، ولم يستطع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول إلى مصر، وبذلكَ أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس,
حملة السلطان ألب أرسلان على الشام وضم حلب:
وضع السلطان ألب أرسلان نصب عينيه تحقيق هدفي السلاجقة، وهما: التوسع باتجاه الأراضي البيزنطية، وطرد الفاطميين مِنْ بلاد الشام، والحلول مكانهم، ثم استخلاص مصر منهم، وقد أثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين، فحرص على أن يحمي نفسه من بيزنطة بفتح أرمينية، والاستقرار في ربوعها قبل أن يمضي في تحقيق الهدف الثاني، وهو مهاجمة الفاطميين.
والواقع أنه كان من الصعب على السلطان السلجوقي، من الناحية العسكرية والسياسية أن يتجاوز محور الرها إلى جنوب بلاد الشام، ثم مصر دون تقدير الموقف البيزنطي من جهة، ومواقف أمراء الجزيرة وبلاد الشام من جهة أخرى؛ إذ إن أي اضطراب في العلاقة مع هذه الأطراف من شأنه أن يهدِّدَ بقطع خط الرجعة على جيشه الذي سيكون بعيداً عن قواعد الخليفة,(1), واشتدت في هذه الأثناء غارات الأتراك على أراضي الدولة البيزنطية، وتوغلوا فيها، ففتح هارون بن خان أرتاح عام (460 هـ) بعد أن حاصرها خمسة أشهر(2), ونهض الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس ليوقف تقدم المغيرين، ومنعهم من التوغل أكثر في عمق الأراضي البيزنطية، وقاد حملتين عسكريتين ضد الأجزاء الشمالية لبلاد الشام، بين عامي (461 ـ 462 هـ) ، فهاجم منطقة حلب، عقدة المواصلات التجارية، والعسكرية بين العراق، وأرمينية، والأناضول، وبلاد الشام، واصطدمت قواته بقوات محمود بن نصر المرداسي وبني كلاب، وابن حسان الطائي، ومن معهم من جموع العرب، وانتصر عليهم(3), إلا أن الإمبراطور انسحب من المنطقة على عجل دون أن يستثمر انتصاره بعد ورود أخبار عن توغل قوات تركية بقيادة الأفشين في عمق الأراضي البيزنطية، وفتحها مدينة عمورية، وأنها بصدد التوجه نحو القسطنطينية، كما أن نفاد المؤن كان سبباً آخر دفعهُ إلى العودة إلى بلاده,
وكان السلطان ألب أرسلان ينتظر فرصة سانحة؛ ليحقق حلمه بضم بلاد الشام، ومصر إلى الأملاك السلجوقية، وأتاح له النزاع الذي حصل بين أركان الحكم في مصر من أجل السيطرة والتسلط على المستنصر الفاطمي هذه الفرصة، كان ناصر الدولة الحسين بن الحسن الحمداني أحد أبرز القادة في القاهرة، وقد انتصر على تحالف ضمَّ الوزير ابن أبي كدية وألدكوز قائد عسكر الأتراك، وذلكَ في عام (462 هـ) ، وتمادى في تخطيطهِ وقرّر القضاء على الدولة الفاطمية، وإقامة الدعوة العباسية، فأرسل أبا جعفر محمد بن البخاري قاضي حلب إلى السلطان السلجوقي يطلب منهُ أن يرسل جيشاً إلى مصر، يساعده في تحقيق هدفه.
وفور تسلمه الدعوة جهَّز ألب أرسلان جيشاً كبيراً، وخرج على رأسه من خراسان متوجهاً إلى بلاد الشام لإخضاعها لسيطرة السلاجقة، ومن ثم متابعة زحفه إلى مصر لإسقاط الدولة الفاطمية، وضمِّ هذا البلد إلى السلطنة السلجوقية، لكن تحركه كان بطيئاً بسبب ما صادفه من عقبات كانت أولاها في الرها الواقعة تحت الحكم البيزنطي، فحاصرها في عام (463 هـ) ، وقاوم الرهاويون الحصار ببسالة بقيادة: باسيل بن أسار الذي عيَّنهُ الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس حاكماً على المدينةِ، وقطع السلاجقة أشجار الحدائق، وطمروا الخنادق بجانب الأسوار الشرقية كي يعبروا عليها، وقذفوا المدينة بالمجانيق.
وشرع النقابون في حفر فجوات في السور، ولكن دون جدوى، واستعصت المدينة على السلطان ألب أرسلان، واضطر إلى التفاهم مع سكانها بعد نيف وثلاثين يوماً من الحصار المتواصل، ثم تابع طريقه إلى حلب() ، لضمها حتى يمنع أي محاولة التفاف من جانب البيزنطيين من جهة الجنوب، غير أن قسماً من جيشهِ تقاعس عن المضي معه بسبب تأخير أرزاقهم، فاضطر أن يتابع زحفه بمن بقي معهُ من الجيش، وعددهم أربعة الاف مقاتل، فعبر نهر الفرات (463 هـ) ، ودخل أراضي الإمارة وقدم له جميع أمراء الجزيرة الولاء، أمثال شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي أمير الموصل، ونصر بن مروان أمير ميا فارقين ، وابن وثاب أمير حرَّان، بالإضافة إلى أُمراء الترك والديلم(1)
1 ـ حصار حلب وإخضاعها صلحاً للدولة السلجوقية:
تقاعس محمود بن نصر أمير حلب، ويبدو أن لذلك علاقة بالمدى الذي وصلت إليهِ معارضة الشيعة في حلب، وربما أدركَ أنه سوف يفقد استقلاله إذا تجاوب مع مطالب السلطان السلجوقي(1), فأرسل إليه القاضي أبا جعفر محمد بن البخاري يدعوه للقدوم إليهِ لتقديم الولاء والطاعة، ودوس بساطه أسوة بسائر أمراء الجزيرة، وفتح أبواب حلب لاستقباله, ، ولكن محموداً رفض الدعوة بتحريض من ابنِ خان، واثر الاعتصام بحلب والدفاع عنها، واستنفر الرجال من جميع أنحاء بلاد الشام، وتأهب لمقاومة الحصار الذي سوف يفرضه الجيش السلجوقي على المدينة، ويبدو أنه اطمأن إلى أن ولاءه للعباسيين وللسلطان السلجوقي، وارتداء خلع الخليفة التي أرسلت إليهِ في عام (462 هـ) ، كافيان لحمايته من هجوم السلطان، لكنهُ فوجأى بوصولهِ إلى حلب في (463 هـ) وضربه الحصار عليها.
واتخذ السلطان من الفنيدق مركزاً لقيادته؛ وكانت الخيام والعساكر من حلب إلى نقرة بني أسد، إلى عزاز إلى الأثارب متقاربة بعضها من بعض، ولم يتعرَّض أحد من العسكر لمال أحد، ولا سُيبت حرمة، ولا قاتل، ولم يأخذ عليقة تبن من فلاح إلا بثمنه، واستمر الحصار مدة شهرين ويومين، ولم يجر قتال غير يوم واحد، وكان يقول لأتباعه: أخشى أن أفتح هذا الثغر بالسيف فيصير إلى الروم, ومهما يكن من أمر، فقد فشل السلطان في اقتحام المدينة، ولعل مرد ذلكَ يعود إلى شدة المقاومة، ومتانة الأسوار، وإشراك محمود بن نصر جميع القبائل العربية في الدفاع عنها، بالإضافة إلى طبيعة تكوين الجيش السلجوقي الذي يعتمد على الفرسان الخفاف.
والمعروف أن عمليات الحصار تتطلب جنوداً من المشاة وهو ما افتقده الجيش السلجوقي، ولم تتوقف المفاوضات خلال أيام الحصار للوصول إلى حل ، لكن دون جدوى ، بسبب التصلُّب في المواقف ، واضطرَّ السلطان أخيراً إلى فك الحصار عن المدينة، إلا أنه خشي على سمعته بعد إخفاقه في اقتحام الرها، وأخذ حلب، مما سينعكس سلباًعلى دولتهِ الناشئة، وبخاصة بعد ورود أنباء عن ظهور الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس في أرمينية، وهو عازم على مهاجمة خراسان, ، لذلكَ لجأ إلى السياسة لتفريق الكلابيين، وإضعاف موقف محمود بن نصر، فاستدعى جميع أمراء بني كلاب ليختر أميراً منهم يعيِّنُه على حلب، ويفوِّضه السعي للاستيلاء على المدينة وانتزاعها من يد محمود بن نصر، على أن يتفرغ هو لمواجهة الخطر البيزنطي(1), وعندما علم محمود بهذا التحول؛ خشي على سلطانه في حلب وبخاصة «أن البلد قد أشرف على الفتح», كما أن موقف ألب أرسلان في إدارته للأحداث يدل على حنكة سياسية حقق من خلالها أهدافه بأقصر السبل وأقل التكاليف.
2 ـ تحرك محمود بن نصر أمير حلب للمصالحة:
عندما علم محمود بهذا التحول خشي على سلطته في حلب، فتحرك بسرعة باتجاه السلطان، وسعى إلى التوصل إلى مصالحة معهُ تحفظ ملكه، وتفوِّت الفرصة على خصومهِ من الأمراء الكلابيين, ، ومهما يكن من أمرٍ؛ فقد خرج محمود بن نصر من حلب متخفياً بزي الأتراك في ليلة الأول من شعبان (463 هـ) بصحبة والدته منيعة بنت وثاب النميري، وتوجه إلى معسكر السلطان، فرحَّبَ به هذا الأخير، وجرت مفاوضات بين الرجلين أسفرت عما يلي:
أ ـ يخرج محمود بن نصر في اليوم التالي علناً ليزور معسكر السلطان، ويدوس بساطه، ويقدم فروض الولاء والطاعة له.
ب ـ يوافق السلطان على بقاء محمود أميراً على حلب، على أن يكون تابعاً له، ويدعو للخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي.
وفعلاً خرج محمود في اليوم التالي من حلب، وتوجّه إلى معسكر السلطان، وحمل معهُ مفاتيح البلد، واصطحب معهُ والدته، فاستقبلهما السلطان، ورحب بهما وأكرمهما وأحسن إليهما، وأعلن عن بقاء محمود أميراً على حلب، وكتب له توقيعاً بذلك, وقد أضحى بموجبهِ تابعاً فعلياً رسمياً للسلطان، ومتولياً من قبله وبتوقيعه، وليس أميراً حاكماً بقوتهِ يستطيع في كل لحظة نقض الولاء.
3 ـ التوغل السلجوقي في جنوبي بلاد الشام:
غادر السلطان ألب أرسلان المنطقة بعد ذلك، وعاد إلى بلاد ما وراء النهر للقتال هناك، وترك بعض عسكره وأتباعه بقيادة أتسز بن أوق الخوارزمي، وكان معه إخوته: جاولي، والمأمون، وفزلو، وشكلي، وأذن لهم بالاصطدام بالفاطميين، وإخراجهم من بلاد الشام، وكانَ القاضي أمين الدولة أبو طالب عبد الله بن محمد بن عمار، قد استبدَّ بحكم طرابلس، وخلع طاعة أمير الجيوش بدر الجمالي، وضمَّ مدينة جبيل الواقعة على الساحل اللبناني إلى نفوذه، واضعاً بذلكَ النواة الأولى لقيام إمارة بني عمار المستقلة, وحتى يدعم موقفهُ في طرابلس تقرّب من السلاجقة، فأرسل إليهِ السلطان ألب أرسلان قبل أن يغادر المنطقة قوة عسكرية بقيادة أحد كتابه هو جابر بن سقلاب الموصلي, لم يوضِّح المؤرخون ما تقرَّر بين السلطان ألب أرسلان وأمير طرابلس، لكن يغلب على الظن أن معاهدة عدم اعتداء عقدت بين الطرفين، يسمح بموجبها لجماعة من الأتراك بالإقامة في أعمال طرابلس, ، وتنفيذاً لأوامر السلطان قاد محمود بن نصر وأيتكين السليماني قواتهما، وتوجها جنوباً لمهاجمة دمشق، وانتزاعها من أيدي الفاطميين، وذلكَ في (464 هـ) وتوقفا في بعلبك ليخططا لحملتيهما، وعلم محمود بن نصر وهو في بعلبك بأن عمه عطية هاجم حلب بالتعاون مع البيزنطيين في إنطاكية، وأحرق قسماً من معرة مصرين, فاضطر للعودة إلى مقر إمارته للدفاع عنها، واشتبك مع البيزنطيين في عدة معارك، فانهزم أمامهم، وعندما وجد نفسه عاجزاً عن الوقوف في وجههم استعان بأتسز، وإخوته، وكانوا في الجنوب يحاولون انتزاع فلسطين من أيدي الفاطميين، فلبوا دعوته، وقدموا إلى حلب، وتمكَّن محمود بن نصر بفضل مساعدتهم من:
1 ـ صدِّ البيزنطيين، ووقف أعمالهم ضد أراضيه.
2 ـ استعادة الرحبة من مسلم بن قريش.
ففي عام (465 هـ) وبعد أن قضى منهم ما أرادَ، وأمن جانب البيزنطيين، طلب منهم أن يغادروا حلب، وأغراهم بالمال والخيل، فغادروا إلى الجنوب، ويبدو أنهم تركوا قسماً منهم في خدمته يبلغ ألف فارس بقيادة أحمد شاه، بدليل أنه عندما أغار البيزنطيون على أراضي حلب عام (466 هـ) ، فصدَّهم محمود بن نصر بمساعدة الأتراك الموجودين في حلب، كما فتح قلعة السن الواقعة تحت الحكم البيزنطي وضمها إلى أملاكه ، وتوجه الأتراك بزعامة أتسز، بعد رحيل السلطان ألب أرسلان عن المنطقة إلى دمشق بهدف ضمِّها، فضربوا عليها حصاراً مركزاً، وأغاروا على أعمالها، وقطعوا الميرة عنها، ورعوا زرعها، ومع ذلك فقد فشلوا في اقتحامه ، فغادروها إلى فلسطين، فضمُّوا الرملة، وبيت المقدس، بعد حصار، وطردوا منها الحامية الفاطمية، وانتزعوا طبرية من أيدي الفاطميين، وحاصروا يافا، فهرب حاكمها زين الدولة الفاطمي، وألغى أتسز الدعوة للمستنصر الفاطمي، وخطب للخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي، وأرسل إلى بغداد يخبر بما حقَّقهُ في بلاد الشام.
وفاة السلطان ألب أرسلان (الأسد الشجاع) :
في سنة خمس وستين وأربعمئة قصد السلطان ألب أرسلان ما وراء النهر، وعبر نهر جيحون، وكانوا مئتي ألف فارس، فأتي بعلج يقال له: يوسف الخُوارزمي، كانت بيده قلعة، قد ارتكبَ جريمة في أمر الحصن، فحمل مقيداً، فلما قرب منه أمر أن تُضرب له أربعة أوتاد لتشدَّ أطرافهُ الأربعة إليها، ويعذبه، ثم يقتله، فقال لهُ يوسف: يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟! فاحتدَّ السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال: حلّوه من قيوده، فَحُلّ، فرماهُ فأخطأه، وكان مُدِلاًّ برميه، قلما يخطأى فيه، وكانَ جالساً على سريره، فنزل فعثر ووقع على وجهه، فبادره يوسف المذكور، وضربه بسكين كانت معهُ في خاصرته، فوثب عليهِ فرَّاش أرمني، فضربهُ في رأسه بمرزبة فقتله، فانتقلَ ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحاً، وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى به إليه، وجعل ولدهُ ملكشاه أبو شجاع محمد وليّ عهده.
ثم توفي السلطان، وذلكَ في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأربعمئة وله أربعون سنة, وترك من الأولاد ملكشاه، وإياز، وتَكشِي، وبورى برس، وأرسلان أرغون، وسارَّة، وعائشة، وبنتاً أُخرى. وقيل: توفي عن إحدى وأربعين سنة، ودفن عند والدهِ بالري رحمه الله تعالى, ويحكى: أنه قال لما عاين الموت بعينه: ما كنتُ قط في وجه قصدتهُ، ولا عدو أردتهُ إلا توكلتُ على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفتُ من تل عالٍ، فرأيتُ عسكري في أجملِ حال، فقلتُ: أين من له قدرة مصارعتي، وقدرة معارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى أقصى الصين، فخرجت عليَّ منيتي من الكمين.
وجاء في رواية: فقلتُ في نفسي: أنا ملك الدنيا وما يقدر أحدٌ علي، فعجّزني اللهُ تعالى بأضعفِ خلقهِ، وأنا أستغفرُ الله، وأستقيلهُ من ذلكَ الخاطر، وعلى القادة والحكام أن يستشعروا بنعائم الله عليهم، ويتذكروا فضله وإحسانه، وينسبوا الفضلَ لله تعالى صاحب المنِّ، والعطاء، والإحسان، والإكرام. ولما بلغ موته أهل بغداد أقام الناس له العزاء، وغُلقت الأسواق، وأظهر الخليفة الجزع عليه، وتسَلَّبت ابنتهُ الخاتون وجلست على التراب.
المراجع:
ابن القلانسي، تاريخ دمشق، ص. ص 166- 168.
ابن كثير، البداية والنهاية، 15/793.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، 18/414
سبط الزمان، مرآة الزمان، ص 161.
شاكر مصطفى، في التاريخ الشامي، ص 2/131.
عصام محمد، السلاطين في المشرق العربي، ص 25.
علي الصلابي، دولة السلاجقة وبروز المشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، الطبعة الأولى 2006م.
المصدر : تركيا بالعربي