حلقات من كتاب السِّيرة النَّبويّة (عرض وقائع وتحليل أحداث)
للدكتور علي محمد محمد الصّلابيّ
الحلقة الثامنة (8) : بشارات نبوّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
شاءت حكمة الله تعالى، أن يُعدَّ الناس ويهيئهم لاستقبال نبوَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بأمورٍ عديدة كان لها الأثر في الدعوة المحمدية؛ منها:
1 - بشارات الأنبياء بمحمَّد صلى الله عليه وسلم :
دعا إبراهيم عليه السلام ربَّه أن يبعث في العرب رسولاً منهم، فأرسل محمَّداً إجابةً لدعوته. قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129] ، وذكر القرآن الكريم: أنَّ الله تعالى أنزل البشارة بمبعث محمَّد صلى الله عليه وسلم، في الكتب السَّماوية المنزلة على الأنبياء السَّابقين، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].
وبشَّر به عيسى عليه السلام، وأخبرنا الله تعالى عن بشارة عيسى، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَم يابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلـمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: 6].
وأعلمَ اللهُ تعالى جميع الأنبياء ببعثته، وأمرهم بتبليغ أتباعهم بوجوب الإيمان به، واتِّباعه؛ إن هم أدركوه ، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].
وقد وقع التَّحريف في نسخ التَّوراة، والإنجيل، وحُذِف منهما التَّصريح باسم محمَّد صلى الله عليه وسلم، إلا توراة (السَّامرة)، وإنجيل (برنابا) الذي كان موجوداً قبل الإسلام وحرَّمت الكنيسة تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي، وقد أيَّدته المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثاً، فقد جاء في إنجيل (برنابا) العبارات المصرِّحة باسم النَّبيِّ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، مثل ما جاء في الإصحاح الحادي والأربعين منه، ونصُّ العبارة: «29 - فاحتجب الله، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس. 30 - فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب: لا إله إلا الله محمَّدٌ رسول الله» .
قال ابن تيميَّـة: «والأخبار بمعرفـة أهل الكتاب بصفة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترةٌ عنهم» ثمَّ قال: «ثمَّ العلم بأنَّ الأنبياء قبله بَشَّروا به يُعلم من وجوه:
أحدها: ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب.
الثاني: إخبار من وقف على تلك الكتب، ممَّن أسلم، وممَّن لم يسلم، بما وجدوه من ذكره بها؛ وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار: أنَّ جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه، وأنَّه رسولُ الله، وأنَّه موجودٌ عندهم، وكانوا ينتظرونه، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لـمَّا دعاهم إلى الإسلام، حتَّى آمن الأنصار به، وبايعوه» .
فمن حديث سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه، وكان من أصحاب بدرٍ، قال: «كان لنا جارٌ من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بيسيرٍ، فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذٍ أَحْدَثُ مَنْ فيه سناً، عليَّ بردةٌ مضطجعاً فيها بفناء أهلي، فذكر البعث، والقيامة، والحساب، والميزان، والجنَّة، والنَّار، فقال ذلك لقومٍ؛ وكانوا أهل شركٍ، وأصحاب أوثـان، لا يـرون: أنَّ بعثاً كائنٌ بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان! ترى هذا كائناً: أنَّ النَّاس يُبعثون بعد نموتهم إلى دارٍ فيها جنَّةٌ، ونارٌ، ويُجزون فيها بأعمالهم؟! قال: نعم، والذي يُحلف به! ولودَّ: أنَّ له بحظِّه من تلك النَّار أعظم تنُّورٍ في الدُّنيا يحمونه، ثمَّ يدخلونه إيَّاه، فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النَّار غداً. قالوا له: ويحك! وما آية ذلك؟ قال: نبيٌّ يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكَّة، واليمن. قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليَّ - وأنا من أحدثهم سناً - فقال: إن يستنفد هذا الغلام عُمرَه؛ يدركه.
قال سلمة: «فو الله! ما ذهب الليل والنَّهار، حتَّى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو حيٌّ بين أظهرنا، فآمنَّا به، وكفر به بغياً وحسداً؛ فقلنا: ويلك يا فلان! ألست بالَّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به» [أحمد (3/467) والبيهقي في الدلائل (2/78 - 79) وابن هشام (1/225 - 226)].
وقال ابن تيميَّة - رحمه الله! -: «قد رأيت أنا من نُسَخِ الزَّبور ما فيه تصريحٌ بنبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم باسمه، ورأيت نسخةً أخرى بالزَّبور فلم أرَ ذلك فيها، وحينئذٍ فلا يمتنع أن يكون في بعض النُّسخ من صفات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما ليس في أخرى» .
وقد ذكر عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّوراة، فقال: «والله! إنه لموصوف في التَّوراة بصفته في القرآن: يا أيها النَّبيُّ إنَّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحِرزاً للأميِّين ، أنت عبدي، ورسولي، سمَّيتك المتوكِّل، ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سخَّابٍ في الأسواق ، ولا يدفع بالسَّيِّئة السَّيِّئة، ولكن يعفو، ويصفح، ولن يقبضه الله حتَّى يقيم به الملَّة العوجاء ؛ بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً» [البخاري (2125 و4838) وأحمد (2/174) والبيهقي في الدلائل (/374 - 375)] .
ومن حديث كعب الأحبار، قال: «إنِّي أجد في التَّوراة مكتوباً: محمَّدٌ رسول الله، لا فظٌّ، ولا غليظٌ، ولا سَخَّابٌ في الأسواق، ولا يجزي السَّيئة بالسَّيئة، ولكن يعفو، ويصفح، أمَّته الحمَّادون، يحمدون الله في كلِّ منزلةٍ، ويكبِّرونه على كل نجدٍ، يأتزرون إلى أنصافهم، ويوضِّئون أطرافهم، صَفُّهم في الصَّلاة وصَفُّهم في القتال سواءٌ، مناديهم ينادي في جوِّ السَّماء، لهم في جوف اللَّيل دويٌّ كدويِّ النَّحل، مولده بمكَّة، ومهجره بطابة، وملكه بالشَّام» [البيهقي في الدلائل (1/376 - 377)].
2 - بشارات علماء أهل الكتاب بنبوَّته صلى الله عليه وسلم :
أخبر سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه في قصَّة إسلامه المشهورة، عن راهب عَمُّورية حين حضرته المنيَّة، قال لسلمان: «إنَّه قد أظلَّ زمان نبيٍّ مبعوثٍ بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مُهاجَره إلى أرضٍ بين حَرَّتين، بينهما نخلٌ، به علاماتٌ لا تخفى، يأكل الهديَّة، ولا يأكل الصَّدقة، بين كتفيه خَاتم النُّبوَّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد؛ فافعل».
ثمَّ قصَّ سلمان خبر قدومه إلى المدينة، واسترقاقه، ولقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم حين الهجرة، وإهدائه له طعاماً على أنَّه صدقة، فلم يأكل منه الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ إهدائه له طعاماً على أنَّه هدية، وأكله منه، ثمَّ رؤيته خاتم النُّبوَّة بين كتفيه، وإسلامه على إثر ذلك» [أحمد (5/441 - 444) والحاكم (3/599 - 602) والبيهقي في الدلائل (2/83 - 97) وأبو نعيم في دلائله (199) وابن هشام (1/228 - 234)] .
ومن ذلك إخبار أحبار اليهود ورجالاتها بقرب مبعثه - عليه الصَّلاة والسَّلام- ومن ذلك قصَّة أبي التَّـيِّهان، الَّذي خرج من بلاد الشَّام، ونزل في بني قريظة، ثمَّ توفي قبل البعثة النَّبويَّة بسنتين، فإنَّه لما حضرته الوفاة؛ قال لبني قريظة: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخَمر، والخمير - الشَّام - إلى أرض البؤس والجوع - يعني: الحجاز -؟ قالوا: أنت أعلم. قال: إنِّي قدمت هذه البلدة أتوكَّفُ - أنتظر - خروج نبيٍّ قد أظلَّ زمانه، وكنت أرجو أن يبعث، فأتَّبعه.
وقد شاع حديث ذلك، وانتشر بين اليهود، وغيرهم، حتَّى بلغ درجة القطع عندهم، وبناءً عليه كان اليهود يقولون لأهل المدينة المنوَّرة: إنَّه قد تقارب زمان نبيٍّ يُبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، وكان ذلك الحديث سبباً في إسلام رجالٍ من الأنصار، وقد قالوا: «إنَّ ممَّا دعانا إلى الإسلام، مع رحمة الله تعالى، وهداه؛ لما كنَّا نسمع من رجال اليهود، وكُنَّا أهلَ شركٍ، أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتابٍ، عندهم علمٌ ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرورٌ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون؛ قالوا لنا: إنَّه تقارب زمان نبيٍّ يبعث الان، نقتلكم معه قتل عادٍ، وإرم» .
وقد قال هرقل ملك الرُّوم عندما تسلَّم رسالة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : «وقد كنت أعلم: أنَّه خارجٌ، ولم أكن أظنُّ: أنَّه منكم» [البخاري (7) ومسلم (1773)] .
3 - الحالة العامَّة الَّتي وصل إليها النَّاس:
لخَّص الأستاذ النَّدوي الحال الَّتي كان عليها العرب وغيرهم وقتذاك بقوله: كانت الأوضاع الفاسدة، والدَّرجة التي وصل إليها الإنسان في منتصف القرن السَّادس المسيحيِّ أكبر من أن يقوم لإصلاحها مصلحون، ومعلِّمون من أفراد النَّاس، فلم تكن القضيَّة قضية إصلاح عقيدةٍ من العقائد، أو إزالة عادةٍ من العادات، أو قبول عبادةٍ من العبادات، أو إصلاح مجتمع من المجتمعات، فقد كان يكفي له المصلحون، والمعلمون الذين لم يَخْلُ منهم عصرٌ، ولا مصرٌ.
ولكنَّ القضيَّة كانت قضية إزالة أنقاض الجاهليَّة، ووثنيَّةٍ تخريبيَّةٍ، تراكمت عبر القرون، والأجيال، ودفنت تحتها تعاليم الأنبياء، والمرسلين، وجهود المصلحين، والمعلمين، وإقامة بناءٍ شامخٍ مشيد البنيان، واسع الأرجاء، يسع العالم كلَّه، ويؤوي الأمم كلَّها، قضية إنشاء إنسانٍ جديدٍ، يختلف عن الإنسان القديم في كلِّ شيءٍ، كأنَّه ولد من جديد أو عاش من جديد. قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122] .
قضية اقتلاع جرثومة الفساد، واستئصال شأفة الوثنيَّة، واجتثاثها من جذورها؛ بحيث لا يبقى لها عينٌ، ولا أثرٌ، وترسيخ عقيدة التَّوحيد في أعماق النَّفس الإنسانيَّة ترسيخاً لا يتصوَّر فوقه، وغرس ميلٍ إلى إرضاء الله، وعبادته، وخدمة الإنسانيَّة، والانتصار للحقِّ يتغلَّب على كلِّ رغبةٍ، ويقهر كلَّ شهوةٍ، ويجرف كلَّ مقاومة وبالجملة الأخذ بِحُجَزِ الإنسانيَّة المنتحرة؛ الَّتي استجمعت قواها للوثوب في جحيم الدُّنيا والآخرة، والسُّلوك بها على طريقٍ أوَّلها سعادةٌ يحظى بها العارفون المؤمنون، وآخرها جنَّة الخلد؛ الَّتي وُعِد المتَّقون، ولا تصوير أبلغ، وأصدق من قوله تعالى في معرض المنِّ ببعثة محمَّد صلى الله عليه وسلم : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].
4 - إرهاصات نبوَّته صلى الله عليه وسلم :
ومن إرهاصات نبوَّته صلى الله عليه وسلم تسليم الحجر عليه قبل النُّبوَّة، فعن جابر بن سَمُرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنِّي لأعرف حجراً بمكَّة كان يسلِّم عليَّ قبل أن أبعث، إنِّي لأعرفه الآن» [أحمد (5/89) ومسلم (2277) والترمذي (3624)] ومنها: الرُّؤيا الصَّادقة، وهي أول ما بدئ له من الوحي، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصُّبح [البخاري (3)، ومسلم (160)] وحُبِّب إليه صلى الله عليه وسلم العزلة، والتَّحنُّث «التعبد»، فكان يخلو في غار حراء - وهو جبلٌ يقع في الجانب الشَّماليِّ الغربيِّ من مكَّة - ويتعبَّد فيه الليالي ذوات العدد، فتارةً عشرة، وتارةً أكثر من ذلك إلى شهر، ثمَّ يعود إلى بيته، فلا يكاد يمكث فيه قليلاً حتى يتزوَّد من جديدٍ لخلوةٍ أخرى، ويعود إلى غار حراء، وهكذا إلى أن جاءه الوحي وهو في إحدى خلواته تلك.