الجمعة

1447-04-04

|

2025-9-26

شروط الإيمان بلا إله إلا الله

بقلم: د. علي محمد الصلابي

لما كان معنى لا إله إلا الله هو أنّه لا معبودَ بحقِّ إلا الله، ولما كان كثيرٌ من الناس يدرِكُ معنى وأهمية لا إله إلا اللهكان لا بدّ لنا أن نتحدّث عن شروطِ هذه الكلمة.
ورحم الله وهب بن منبه حين سُئِلَ: أليستْ لا إله إلا الله مفتاح الجنّة؟
قال: بلى، ولكنْ ليس مفتاحٌ إلا له أسنان فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتَحَ لك، وإلاّ لم يفتحْ لكَ ، وهذه الأسنانُ هي شروطُ هذه الكلمة العظيمة، والتي عددُها سبعة عند العلماء، وليس المرادُ مِنْ هذا عدَّ ألفاظِها، وحفظَها، فكم مِنْ عامّيِّ اجتمعت فيه والتزمَها، ولو قيل له عددها لم يُحْسِنْ ذلك.وكم حافظ لألفاظِها يجري فيها كالسهمِ، وتراهُ يقعُ كثيراً فيما يناقِضُها. والتوفيق بيد الله .إليك هذه الشروط وأدلّتها من كتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم مع الاختصار:
1-العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، علماً ينافي الجهل بها:
قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) (محمد: 19) وقال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران: 18). وفي الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ماتَ وَهُوَ يَعْلًمُ أنّه لا إله إلا الله دَخَل الجنّة" .
2-اليقين المنافي للشك:
وذلك بأن يكونَ قائِلُها مستيقناً بمدلولِ هذه الكلمة يقيناً جازماً. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ * أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات: 15). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، لا يَلْقَى الله بهما عبدٌ غيرَ ِشاكٍّ فيهما إلاّ دخلَ الجنَّة" . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرةَ رضي الله عنه: "اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هاتَينِ فَمَنْ لقيتَ من وراءِ هذا الحائطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ مستيقناً بها قلبُه فبشره بالجنة" .
3-القبول لما اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان:
وقد قصّ الله علينا من أنباء ما قد سَبق مِنْ إنجاءِ مَنْ قَبِلَها وانتقامه مّمن ردّها وأباها، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 47).
وقال تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا * كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 102). وقال تعالى عن الذين كذبوا بهذه الكلمة ورفضوها ولم يقبلوها: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الزخرف: 25).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللهُ بهِ مِنَ الُهدى والعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكثيرِ أصابَ أرضاً، فكانَ مِنْها نقيةٌ قَبِلتِ الماء، فَأَنْبَتَتِ الكلأَ والعُشْبَ الكثيرَ، وكانتْ منها أجادِبُ أمسكتِ الماء فنفعَ اللهُ بها الناسَ فشربوا وسَقَّوا وزَرَعُوْا، وأصابتْ منها طائفةً أُخرى، إنّما هيَ قِيعانٌ، لا تمسِكُ ماءً، ولا تُنْبِتُ كلأً، فذلك مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دينِ اللهِ، ونَفَعَهُ ما بعثني اللهُ بهِ، فَعَلِمَ وعَمِلَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ َيَرْفَعْ بذلكَ رَأْساً، ولم يَقْبَلْ هَدْيَ اللهِ الذي أُرْسِلتُ به" .
4- الانقياد لما دلّت عليه، المـُنافي لترك ذلك:
قال الله سبحانه وتعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (الزمر: 54) وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء: 125).
5- الصّدق المنافي للكذب:
وذلك بأنْ يقولَها صدقاً من قلبه، يواطِئُ قلبُه لسانهَ. قال تعالى: (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 1-3). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أحدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللُه، وأنَّ محمَّداً رسول الله صِدْقاً مِنْ قلبِهِ إلاّ حَرّمهُ اللهُ على النَّارِ" .
6- الإخلاص:
وهو تصفيةُ النية في العملِ الصالحِ عن جميعِ شوائبِ الشرك، قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر: 3). وقال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزمر: 2). وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ * وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة: 5). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْعَدُ النَّاسِ بشفاعتي مَنْ قالَ لا إلهَ إلاّ اللهُ خالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِه" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَرّمَ على النَّارِ مَنْ قالَ: لا إلهَ إلاّ اللهَ يبتغي بذلكَ وَجْهَ الله" .
7-المحبةُ:
لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلّت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبعض ما ناقض ذلك: قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَه) (البقرة: 165). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان: مَنْ كانَ اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليهِ ممّا سواهما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا للهِ، وأنْ يكرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ، كما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّار" . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمنُ أحدُكُم حتّى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ ولدِهِ ووالدِهِ والناسِ أجمعين" .
ومحبةُ اللهِ سبحانه وتعالى لا تتمُّ إلا بمحبَّةِ ما يحبهُّ، وكره ما يكرهه، وطريقُ معرفةِ ذلك هو اتباعُ الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتُه، فمحبةُ اللهِ تستلزمُ محبَّة الرسولِ صلى الله عليه وسلم واتباعَه وطاعتَه ، فهذه الشروطُ مَنْ حقَّقَها، وعملَ بها، وابتعدَ عمّا يناقِضُها، أوجبَت له مغفرةَ الذنوبِ بإذن الله تعالى.

مراجع:

1. علي الصلابي، مسودة كتاب قصة الخلق وآدم عليه السلام، وجذور الحضارة الإنسانية الأولى، ص 15 - 17.

2. عمر بن سليمان الأشقر، العقيدة في الله، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، ط 12، 1999، ص96، نقلاً عن ابن القيم في الصلاة.

3. حافظ بن أحمد الحكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، تحقيق عمر بن محمود، دار ابن القيم، الدمام، ط 1، 1990، 1/377.

4. صحيح البخاري، كتاب: الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16).

5. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف من وجد حلاوة الاعمال، رقم: (43).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022