الجمعة

1447-04-04

|

2025-9-26

آثار اليقين بــ "لا إله إلا الله":

بقلم: د. علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1441ه/ نوفمبر 2019م

إن لكلمة لا إله إلا الله آثاراً عظيمةً في حياةِ المؤمنِ، منها:

1- أنَّ المؤمن بهذه الكلمة لا يكون ضيّقَ النظر، بخلاف من يقول بآلهةِ متعددةِ، أو من يجحدُها.
2- أن الإيمان بهذه الكلمة ينشئ في النفس من الأنفة وعزّة النفس ما لا يقوم دونه شيء، لأنّه لا نافعَ إلا الله، ولا ضارَّ إلا الله، وهو المحيي المميت، وهو الحكيم القوي، مالك الملك، ومن ثَمَّ يُنْزَعُ من القلبِ كلُّ خوفٍ إلا منه سبحانه، فلا يطأطِئُ الرأسَ أمامَ أحد من الخلق، ولا يتضرّعُ إلا إليه، ولا يتكفّف إلا له، ولا يرهب إلا من كبريائه وعظمته، لأن لله وحده الكبرياء والعظمة والقدرة، وهذا بخلاف المشرك والكافر والملحد.
3- ينشأ من هذه الكلمة، تواضعٌ من غير ذلٍّ، وترفُّعٍ من غير كِبْرٍ.
4- المؤمن بهذه الكلمة، يعلم علم اليقين أنَّه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح، أما المشركون والكفار، فإنَّهم يقضون حياتهم في آمال كاذبة؛ فمنهم من يقول: إنَّ ابنَ الله قُتِلَ وصُلِبَ كفارةً لذنوبنا عند أبيه، ومنهم من يقول: نحن أبناءُ اللهِ وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا، ومنهم من يقول: إنّا سنتشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا. ومنهم من يقدّمُ النذورَ والقرابينَ إلى آلهته، زاعماً أنّه قد نالَ بذلك رخصة في العمل بما يشاء. أما الملحدُ الذي لا يؤمِنُ بالله، فيعتقدُ أنّه حرٌّ في هذه الدنيا، غيرُ مقيَّدٍ بشرعِ اللهِ، وإنّما إلهه هواه وشهوته، وهو عبدهما.
5- قائل هذه الكلمة لا يتسرّب إليه اليأس، ولا يقعد به القنوط، لأنَّه يؤمنُ أنَّ الله له خزائنُ السماوات والأرض، ومِنْ ثَمَّ فهو على طمأنينةٍ وسكينةٍ وأملٍ، حتى لو طُرِدَ وأهينَ، وضاقت عليه سُبُل العيش.
6- الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والأقدام، والصّبر والثبات والتوكّل، حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاءَ مرضاة الله، إنَّه يشعر أنَّ وراءه قوة مالك السماء والأرض، فيكونُ ثباتُهُ ورسوخهُ وصلابتُه التي يستمدّها من هذا التصور، كالجبال الراسية، فمن أين للشرك والكفر بمثل هذه القوة والثبات؟
7- هذه الكلمة تشجعُ الإنسان، وتملأ قلبه جرأةً، لأن الذي يجبِّنُ الإنسان ويوهنُ عزمه شيئان:
-حبه للنفس والمال والأهل.
-واعتقاده أنَّ أحداً غيرَ الله يميتُ الإنسان.
فإيمانُ المرء بـ لا إله إلا الله ينزعُ من قلبه الأولَ وهو: "حبّه للنفس والمال والأهل"، فيجعله موقناً أنَّ الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله، فعندئذٍ يضحّي في سبيل مرضاة ربه بكلِّ غال ونفيس عنده، كما ينزع الثاني وهو: "اعتقادُه أنَّ أحداً غير الله يميت الإنسان" بأن يلقِي في روعهِ أنّه لا يقدِرُ على سلبِ الحياة منه إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا غيرُه إلا إذا جاء أجله، من أجلِ ذلك لا يكونُ في الدنيا أشجعُ ولا أجرأُ ممّنْ يؤمِنُ بالله تعالى، فلا يكادُ يخيفه أو يثبتُ في وجهه زحَفُ الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطرُ الرّصاص، ولا وابلُ القنابل.
8- الإيمان بـ لا إله إلا الله يرفع قدر الإنسان، وينشئ فيه الترفُّعَ والقناعةَ والاستغناء، ويطهِّرُ قلبَه من أوساخ الطمع، والشّره، والحسد، والدناءة، واللؤم، وغيرها من الصفات القبيحة.
9- الإيمان بـ لا إله إلا الله يجعل الإنسان متقيداً بشرع الله، ومحافظة عليه، فإنَّ المؤمن يعتِقدُ بيقينٍ أنَّ الله خبيرٌ بكلِّ شيءٍ، وهو أقربُ إليه مِنْ حبلِ الوريد، وأنَّه إنْ كان يستطيعُ أن يفلتَ مِنْ بطشٍ أيٍّ كانَ، فإنَّه لا يستطيعُ أن يفلتَ مِنْ اللهِ عزّ وجلّ، وعلى قَدْرِ ما يكونُ هذا الإيمانُ راسخاً في ذهن الإنسان يكونُ متّبعاً لأحكام الله، قائماً عند حدودهِ، لا يجرؤ على اقترافِ ما حَرَّم الله، ويسارعُ إلى الخيراتِ والعمل بما أمر الله.

لذا فالعبد ُالذي ملأ اللهُ قلبه إيماناً بـ لا إله إلا الله هو في الحقيقة عبدٌ مطيعٌ منقادٌ لربه سبحانه وتعالى، وهذا هو أصلُ الإسلام، وهو مصدرُ قوته، وكلُّ ما عداه من معتقداتِ الإسلامِ وأحكامِه إنّما هي مبنيةٌ عليه، ولا تستمدّ قوتها إلا منه، والإسلامُ لا يبقى منه شيءٌ لو زال هذا الأساس.

مراجع:

- أبو الأعلى المودودي، مبادئ الإسلام، مكتبة الشباب المسلم، دمشق، ط 3 1961، ص 87.

- علي الصلابي، مسودة كتاب بداية الخلق وآدم عليه السلام؛ بذور الحضارة الإنسانية الأولى، ص. ص 23 - 25.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022