الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

كتاب جديد في المطابع الآن

"إبراهيم خليل الله؛ داعية التوحيد ودين الإسلام والأسوة الحسنة"

لمؤلفه الدكتور علي محمد الصلابي

تم بفضل الله وكرمه وعطائه ومنّه الانتهاء من كتابة هذا الكتاب

ونسأل الله الكريم الوهاب بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا وفي هذا الشهر المبارك أن يكون هذا العمل صالحاً، ولوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن يجعله في ميزان حسناتنا جميعاً

وسنرفق لكم مبدئياً (مقدمة الكتاب) للتعريف بمحتواه؛ فهو يشرح السيرة الكاملة لنبي الله ورسوله إبراهيم الخليل عليه السلام وفق الرؤية القرآنية وكتب التفاسير.

ويجيب على الكثير من الشبهات التي أثيرت حول مِلة إبراهيم (عليه السلام) وأصله وتفاصيل دعوته

قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الأنبياء: 18

وقال سبحانه: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) الرعد:14

مقدمة الكتاب:

هذا الكتاب هو امتداد لمشروع علمي جديد يتعلق بالدراسة المستفيضة عن أولي العزم من الرسل، وقصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم.

وهو جزء من موسوعة: "أولو العزم من المرسلين"، التي أحلم بإكمالها، وأرجو من الله تعالى أن تكون لوجهه الكريم خالصة، ولعباده نافعة.

إنَّ بني الإنسان في أشدِّ الحاجة لمعرفة سير الأنبياء والمرسلين، من خلال كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وشرح تراجمهم وأخلاقهم، وأصول دعوتهم من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم الصحيحة، وأقوال العلماء الراسخين في العلم بأسلوب عصري، يُلائم المرحلة التي تمرُّ بها الإنسانية الباحثة عن إجابات شافية للأسئلة الوجودية الكبرى عن الله والكون، والحياة والجنة والنار، والقضاء والقدر، والرسالات والنُّبوات، والحضارات القديمة، متى نشأت، وما مصيرها، وسنن الله في خلقه، وأصول الاختلاف والقيم الروحية.. إلخ، والصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشرّ، والكفر والإيمان.

إنّني أحمدُ الله العزيز الوهاب أن وفقني للاهتمام بهذا المجال المعرفي الزاخر، وأن أنهل من المصادر والدراسات النافعة لأبناء الإنسانية، وأحمدُه وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصى ولا تُعد، وأسأله أن يمدّني بتوفيقه وتسديده وتأييده في الكتابة المنهجية النافعة، وأن يطرحَ فيها القبول بين الناس، ويجعلَها سبباً في هداية الباحثين عن الحقائق المصيرية في الوجود والمحطات المفصلية في تاريخ الحضارات وتعاقبها للوصول إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تُسهم هذه الكتابات في تليين القلوب بالإيمان، وتطهير النفوس، وتزكية الأرواح، وتبصرة الألباب، لاستشرافِ الحق والتمسك به، والذّود عنه.

هذا وقد صدر من سلسلة أولي العزم من الرسل مجموعة من الكتب، وهي:

1. السيرة النبوية... عرض حقائق وتحليل أحداث.

2. عيسى - عليه السّلام - (الحقيقة الكاملة).

3. نوح - عليه السّلام - والطوفان العظيم؛ ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية.

وفي هذه المقدمة تقديم للكتاب الرابع في سلسلة أولي العزم من الرسل، والموسوم بعنوان إبراهيمُ عليه السّلام أبُو الأنبياءِ والمُرسلِين (السَّيرةُ وَالمَسيرةُ والنَّهجُ القَويمُ)؛ أيّ الأنبياء الذين جاؤوا بعده عليهم الصلاة والسلام.

وقد قسمت الكتاب إلى أربعة فصول، وبحثت في الفصل الأول في نشأة إبراهيم - عليه السّلام- اسمه ونسبه، ومولده، وعصره، وهجراته، ومكانته، ويحتوي على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول، وبحث في اسم إبراهيم - عليه السّلام -، ونسبه، ولقبه، وكنيته.

وتناولت في المبحث الثاني عصر إبراهيم - عليه السّلام -، وهجراته، وتحدثت فيه عن المرحلة التاريخية التي سبقت إبراهيم - عليه السّلام -، والحياة الدينية والاعتقادات القديمة في عصره، كعبادة الكواكب والنجوم والأصنام، وعبادة الملوك، وتقديم القرابين والنذور، وبناء المعابد، كالمعبد الأرضي، والمعبد العالي والصابئة، وتحدثت فيه أيضاً عن الحياة الاجتماعية والسياسية، وطبقات المجتمع، كطبقة الأحرار والوسطى والعبيد، وأشرت إلى طقوس الزواج والأسرة وعادات ذلك المجتمع، وإقامة الأعياد، والناحية التعليمية والسياسية، وتحدثت في هذا المبحث عن هجراته - عليه السّلام -.

أما المبحث الثالث، فقد تناولت سيرة إبراهيم - عليه السّلام - في موكب الأنبياء والمرسلين، وكان الحديث فيه عن النبي والرسول والفرق بينهما، والنبوة والرسالات، وعن أولي العزم، وحقيقة النبوة، والحِكمة من بَعثِ الرسل، وحاجة الخلق إليهم، وإقامة الحُجة على البشر بهم، ووحي الله عزَّ وجل للأنبياء جعله الله الطريق لمعرفة العقائد الغيبية، وحاجة الخلق للقدوة الحسنة، وإصلاح النفوس وتزكيتها، وتحقيق غايات عظمى ووظائف كبرى، كدعوة الناس إلى عبادة الله، وتبليغ الشريعة الربانية إلى الناس وتبيين ما أنزل من الدين، وإصلاح بني الإنسان، وإقامة شرع الله بين العباد وتطبيقه، وشهادة الرسل على الأمم يوم القيامة، والاستفادة من سنن الله في الأفراد والأمم والشعوب والدول، وتعليق القلوب والأرواح بالانتظام في سلوكهم والسّير في موكب الأنبياء والمرسلين المبارك.

وقد ذكرتُ في هذا الكتاب خصائص الأنبياء والمرسلين، واِصطفائهم بالوحي والرسالة؛ كونهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، وتخييرهم عند الموت، وكون أيُّ نبيٍ يقبر حيث يموت، وأنهم أحياءٌ في قبورهم، ولا تأكل الأرض أجسادهم، ولا يورثون بعد موتهم، وإعداد الله لهم وتهييئهم لرسالاته.

كما بَيَّنت أنَّ دين الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - هو واحد منبعه الوحدانية لله تعالى، ودعوتهم واحدة، واتفاقهم في أركان الإيمان وأصوله، وأن دينهم هو الإسلام، وأن أول عقيدة في الأرض هي التوحيد، وأن الأنبياء والمرسلين يتفقون في الأصول، ويختلفون في الفروع، وسلَّطت الأضواء على أهمية قضية إبراهيم - عليه السّلام - في القرآن الكريم وأنه مثال أعلى للبشرية، ودعوته للتوحيد الخالص، وعمق العلاقة بين إبراهيم - عليه السّلام - والمسلمين.

وبيَّنت الحِكمة من توزيع مشاهد قصة إبراهيم - عليه السّلام - في أكثر من سورة، وأن كل مشهد من مشاهد قصة إبراهيم يَصلح أن يكونَ قصةً لوحده، ويُعطي العِبرة المناسبة له، ولهذا جاءت تلك المشاهد موزعة في ثنايا القرآن الكريم وسوره بهذا الشكل، بينما نجد مشاهد قصة يوسف - عليه السّلام - مجموعة في سورة واحدة؛ لأنَّ الأخيرة مشاهد مترابطة، ولا يمكن فصلها عن بعضها حفاظاً على الوحدة الموضوعية للسورة، وكل مشهد من مشاهد قصة إبراهيم - عليه السّلام - جاء بمكانه في السورة التي ذكرته، ومنسجماً مع موضوع السورة وزمان نزولها، كما سنرى في هذا البحث بإذن الله تعالى.

إنَّ تناثر مشاهد قصة إبراهيم - عليه السّلام - هو رمز من رموز دعوة التوحيد، وإفراد الله بالعبادة، ومعلماً من معالم الطريق الحق، فينبغي أن يبقى هذا الرمز الداعي إلى التوحيد، وإلى عبادة الله ومحاربة الشرك والكفر حاضراً في الذهن لا ينساه المسلم أبداً؛ لأنه قدوته ومثَله الأعلى وهذا المعنى قصده القرآن الكريم، حين قال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41]، فهذا يُشير إلى أن المعلومات الصحيحة المؤكدة عن إبراهيم الواردة في القرآن الكريم، ولا شك أن ما صحَّ عن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم من أحاديث صحيحة، بيَّنت جوانب مثيرة من قصة إبراهيم عليه السّلام.

إنَّ قصة إبراهيم - عليه السّلام - في القرآن الكريم أصيلة، ولا وجود لها في التوراة، أو في الكتابات الإنجيلية من حيث الدِّقة والصواب، والحقيقة الكاملة البعيدة عن التحريف والتزييف والأباطيل، مما زادها صفاءً ورسوخاً في نسيج الخطاب القرآني المميز الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].

لقد تبوأ إبراهيم - عليه السّلام - في الخطاب القرآني مكانة متميزة، فهو الذي قال الله عز وجل فيه:

- {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]

- وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:51]

- وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]

- وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]

- وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130]

- وقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 95].

إنَّ إبراهيم - عليه السّلام - هو خليل الرحمن، وهو أبو الأنبياء وباني الكعبة الشريفة، وقد تميز بصفات عظيمة من علمٍ وإخلاصٍ وشجاعةٍ وتضحية وتجرد وصبر وحلم وإنابة وتأوّه ... إلخ، وسيأتي بَيانها حينها إن شاء الله تعالى.

وقد جاء الحديث أيضاً عن مواضع ذكر إبراهيم - عليه السّلام - في القرآن الكريم بالإجمال.

أما الفصل الثاني، فقد اشتمل على قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سور الأنعام ومريم والأنبياء والشعراء والعنكبوت والصافات.

واحتوى المبحث الأول في هذا الفصل على قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الأنعام وحواره مع والده وقومه من عبادة الكواكب والنجوم والشمس. وقد عِشت مع إبراهيم - عليه السّلام - من خلال الآيات الكريمة في سورة الأنعام، ورأيت ما فتح الله له في ملكوت السموات والأرض حتى وصل درجة اليقين، وما أعطاه الله من عقل ومنطق وقوة وحجة واستدراج لعبدة الكواكب والنجوم، فتى هزهم في أعماقهم وبيَّن لهم بطلان ما هم عليه من الشرك والابتعاد عن توحيد الله وإفراد العبادة له وكيف دعاهم إلى عبادة الله الواحد القهار بعد تشكيكهم في معتقداتهم وبيان زيفهما وانحرافهم عن الصراط المستقيم، قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78 - 79].

ووقفت مع منهجية التدرج التي مارسها إبراهيم - عليه السّلام - من خلال الحوار ومجاراة الخصم، والاستدلال المنطقي، وإعلان الوصول إلى النتيجة.

وذكرتُ شيئاً من الإعجاز الإنبائي والتاريخي من قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الأنعام، وتعمَّقت في شرح الآيات الكريمة من خلال أقوال العلماء والمفسرين من القدامى والمعاصرين، كقوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].

وفي المبحث الثاني، تحدثت عن قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة مريم - عليها السلام - وحواره مع والده.

وفي المبحث الثالث، تحدثت عن قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الأنبياء وحواره مع والده وقومه، وعبدة الأوثان، وابتلاؤه برميه في النار ونجاته منها بأمر الله عز وجل، وهجرته، وإكرام الله له بالذرية الصالحة والموحدة والداعية إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة.

وفي المبحث الرابع، تحدثت عن قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الشعراء والتي من آياتها قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 77 - 89]، وشرحت الآيات المتعلقة بقصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الشعراء على أُسس وقواعد وأصول علم التفسير، واستخرجت منها الدّرّر والفوائد والعبر والدروس؛ لكي يستفيد منها الناس في حياتهم.

وفي المبحث الخامس، تحدثت عن قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة العنكبوت، وجاء فيها دعوته لقومه إلى عبادة الله وتقواه وترك الأوثان، وأنَّ الأرزاق بيد الله فاطلبوها منه وحده واعبدوه واشكروا له، وأنه سبحانه وتعالى إليه يرجع الناس أجمعون، وأشارت الآيات إلى سنة الله في دعوات الأنبياء، وأهمية الإيمان باليوم الآخر والأدلة على ذلك وأنه سبحانه وتعالى {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت: 21]، وكيف كان رد قومه ومكر الله بهم ونجاته من النار وجعل في هذه القصة آيات كثيرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 24]:

- الآية الأولى: النجاة من النار.

- الآية الثانية: عجز الطغيان إيذاء رجل واحد يُريد الله له النجاة.

- الآية الثالثة: هي أن الخارقة لا تهدي القلوب الجاحدة، ذلك لمن يريد أن يتدبر تاريخ الدعوات وعوامل الهدى والضلال.

وواصلت شرح الآيات في قصة إبراهيم من سورة العنكبوت إلى قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 26، 27].

وفي المبحث السادس، تحدثت عن: قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الصافات، وقد بيَّنت الآيات أنه من شيعة نوح - عليه السّلام -، وهو صاحب قلب سليم، وأقام الحجة على أبيه وقومِهِ ببطلان الإفك الذي كانوا يؤمنون به من عبادة الآلهة من دون الله، وأنه كما جاء في الذكر الحكيم: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 91 - 93]، وجادلهم وحاورهم ثم رموه في النار ثم نجاته منها، {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98]، ثم هجرته ودعاؤه بالولد واستجابة الله له، قال تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].

وذكرت قصة زواج هاجر أم إسماعيل من إبراهيم، والذمة والعهد والرحم لأهل مصر، ومولد إسماعيل في بلاد الشام، ثم هجرة إبراهيم بزوجته هاجر وابنه الرضيع إلى الحجاز وبحثها عن مغيث بعد رحيل إبراهيم - عليه السّلام - بأمر ربه وما حدث من كرامات ومعجزات من نبع ماء زمزم ومجيء جُرهم، وتكرار إبراهيم زيارته لهاجر وإسماعيل ورؤيا ذبح إسماعيل، قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ*} [الصافات: 101 - 112].

وبيّنت في هذا الباب من هو الذبيح، والآيات التي ذكرت إسماعيل - عليه السّلام - وأهم صفاته من صدق ووفاء بالوعود وحرصه على الدعوة والإصلاح ووصفه بالخيرية والنبوة والرسالة والحلم والقوة وأنه مفضل وأنه هبة من الله.

وذكرت ما ذَكرَته كتب السُّنة عن إسماعيل - عليه السّلام - في مهارته بالرماية، وأول من نطق بالعربية المبينة، وتعويذ إبراهيم - عليه السّلام - لولديه إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - وكون كنانة من ولد إسماعيل ونفي الاستقسام بالأزلام عن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -، وقد نقلت ما ذكرته كتب التاريخ عن إسماعيل عليه السّلام.

وفي الفصل الثالث، كان الحديث عن حوار إبراهيم مع الملك الظالم، وسؤاله لربه كيف يحيى الموتى، وآيات الولاء والبراء، وضيف إبراهيم عليه السّلام.

وفي المبحث الأول من الفصل الثالث، بحثت في حوار إبراهيم - عليه السّلام - مع الملك الظالم، وسؤاله لربه كيف تُحيي الموتى، وقسم إلى فقرتين:

أولاً: حوار إبراهيم - عليه السّلام - مع الملك الظالم وشرح الآيات المتعلقة بالقصة، وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].

وثانياً: سؤال إبراهيم - عليه السّلام - لربه كيف يحيي الموتى؟ في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].

أما في المبحث الثاني من الفصل الثالث، فقد بحثت في قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سور التوبة والزخرف والممتحنة، وشرح الآيات المتعلقة بالولاء والبراء، وقسمت هذا المبحث على ثلاث فقرات:

أولاً: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113، 114]، وقد تم شرح هذه الآيات الكريمة وبيان ما فيها من أحكام ودروس وقيم.

ثانياً: قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الزخرف قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26 - 28].

ثالثاً: قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الممتحنة، قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 4- 6]، وقد شرحت الآيات، وبينت ما فيها من أحكام ودعاء وعقائد، ووقفات مع أسماء الله الحسنى التي ذُكرت فيها.

وفي المبحث الثالث، كان الحديث عن حوار إبراهيم - عليه السّلام - مع الملائكة في مرحلة شيخوخته، والعيش الرغيد، والبشرى بإسحاق ويعقوب، وإعلامه بهلاك قوم لوط في سور هود والحجر والعنكبوت والذاريات، وقد شرحت تلك الآيات، واستخرجت الفوائد والدروس والأحكام على التوالي، فكانت الآيات المشروحة والمفسرة كالآتي:

أولاً: قصة إبراهيم - عليه السّلام - وحواره مع الملائكة في سورة هود، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ* قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ*} [هود: 69 - 76].

ثانياً: جدال إبراهيم - عليه السّلام - في قوم لوط في سورة العنكبوت، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ*} [العنكبوت: 31، 32].

ثالثاً: قصة ضيف إبراهيم - عليه السّلام - وهلاك قوم لوط في سورة الذاريات، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ*} [الذاريات: 24 - 37].

وفي الفصل الرابع، تحدثت عن نجاح إبراهيم الخليل في الابتلاء، وإِمامته للناس، وبنائه للكعبة، ودعواته الخاشعة، ووصيته لبنيه بالتمسك بالدين الإسلامي في سورة البقرة، ودعائه المنيب في سورة إبراهيم، ودعوته الناس للحج، وذكرت صُحفه، وخصائصه، وفضائله، وصفاته، وتقاربه الكبير مع نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومكانته يوم القيامة، ووفاته، وقبره.

ففي المبحث الأول من هذا الفصل، تحدثت عن ابتلائه وإمامته للناس وبناء الكعبة ودعائه ووصيته لبنيه في سورة البقرة، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ*} [البقرة: 124 - 132].

وفي المبحث الثاني، تحدثت عن دعاء إبراهيم - عليه السّلام - وتضرعه وثنائه على الله في سورة إبراهيم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ*} [إبراهيم: 35- 41].

وقد فَسَّرتُ الآيات الكريمة معتمداً بعد الله تعالى على المصادر والمراجع الموثوقة في علم التفسير، وبيّنتُ الآيات الكريمة في دعوة إبراهيم - عليه السّلام - للناس بالحج في سورة الحج، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ*} [الحج: 27 - 30].

وتحدثت عن تنازع الطوائف في إبراهيم - عليه السّلام - وحديث القرآن الكريم ومجادلته لهم، وبيانه بأن إبراهيم - عليه السّلام - في قول الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*} [آل عمران: 67]. وتحدثت عن صحف إبراهيم - عليه السّلام -، وخصائصه وفضائله وأهم صفاته، من الإسلام والحنيفية والحلم والتأوّه والإنابة والصدّيقية، والشكر، والدعاء والقنوت وسلامة القلب، وعمارة البيت الحرام، وإكرام الضيف، والخُلّة، وكونه خير البريّة، والإمامة واجتبائه واصطفائه، وإيتائه رشده، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، واتخاذ مقامه مصلى، وكونه وليُّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ولِينه، وكونه أمة من دون الناس، ووفائه وإخلاصه وفطانته، وغير ذلك من الخصائص والفضائل والصفات. وعن تقاربه الكبير مع نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكم يشدك هذا القرب، وهذه القربى بين إبراهيم الخليل وابنه محمد صلّى الله عليه وسلّم!؟

إنّه قربٌ لصيقٌ رغم آماد الزمان، وأبعاد المكان حتى لكأنها الأبوة المباشرة القريبة، ولذا يتلقى إبراهيم ابنه محمد في منازل الملء الأعلى ليلة الإسراء والمعراج، بترحاب الآباء والأبناء: قائلاً له: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، وقد اِطلعت على مقالة نافعة ونادرة وبهيجة فائقة الجمال، بيَّنت التشابه والتوافق في مشاهد عديدة للدكتور الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري، فاعتمدتها في هذا الكتاب في آخره. ولقد ذكر الدكتور عبد الوهاب أوجه التواجه والتوافق في أمور كثيرة منها:

- النشأة.

- التفكّر في ملكوت الله.

- عداوة الأقارب.

- استغفار إبراهيم لأبيه.

- إبراهيم عليه السّلام والقرابة المؤمنة.

- إبراهيم عليه السّلام وبناء الكعبة.

- قيادة البشرية.

- الهجرة.

- الرّحمة العامة.

- الصلاة الإبراهيمية.

- حرمُ إبراهيم وحرمُ محمد عليهما الصلاة والسلام.

- الدعاء بالبركة.

- حفظ الله لهما.

- النسب المصريّ.

- فتح آفاق التساؤل.

- حسبنا الله ونعم الوكيل.

- الهيئة والشبه.

- الملة الإبراهيمية.

وكذلك الحديث عن إبراهيم - عليه السّلام - يوم القيامة، فإنه:

- أول من يُكسى يوم الحشر.

- ومكانة النبي إبراهيم - عليه السّلام - في الشفاعة يوم القيامة.

- حال والده إبراهيم - عليه السّلام - يوم القيامة.

- التفاف أولاد المشركين حول إبراهيم في رؤيا للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وفي نهاية الكتاب، كان الحديث عن وفاة إبراهيم الخليل - عليه السّلام - وقبره، ومن بعدها النتائج التي وصلتْ إليها الدراسة.

إنَّ هذا الكتاب يجعلك، بإذن الله، تعيش مع إبراهيم - عليه السّلام - في فترة شبابه في العراق، وما قام به من جهود عظيمة في مناصرة الحق، ودعوة الناس للتوحيد، وإفراد العبادة لله، وتحمله العظيم، وصبره النادر وتضحيته بالأهل والعشيرة والوطن وهجرته مع زوجته ساره وابن أخيه لوط عليهما السلام.

كما تعيش معه في رحلته إلى بلاد الشام، وتيسير الرزق الكريم له، ومحبة الناس، والذرية الطيبة المباركة الذي بَشَّرته بها الملائكة، وأثناء إقامته بالشام كانت رحلته إلى مصر التي كانت مليئة بالعِبر والدُروس، وقضاء الله وقدره في أمور كثيرة، ونعمةُ الله على هاجر وولده إسماعيل - عليهما السلام - وهجرته إلى الحجاز، وبناء بيت الله الحرام، وما حدث من حوادث وابتلاءات، وخروج أمم عظيمة من صلب إبراهيم - عليه السّلام - {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73].

وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأحد في تمام الساعة العاشرة واثنتين وعشرين دقيقة ليلاً، بتاريخ 2 رجب 1442ه / 14 فبراير 2021م، وكانت ليلة باردة مثلجة تحولت فيها إستانبول إلى قطعة بيضاء من الثلوج، فسبحان الخلاق العليم.

وما الفضل إلا لله من قبل ومن بعد، فأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ولا يسعني في مرحلة الانتهاء من هذا الكتاب إلا أن أقف بقلبٍ خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم، معترفاً بفضله وكرمه ومتبرئاً من حولي وقوتي ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي، وحياتي ومماتي، فالله خالقي هو المتفضل، وربي الكريم هو المعين، وإلهي العظيم هو الموفّق، فلو تخلى عني ووكلني إلى عقلي ونفسي لتبلّد مني العقل، وغابت الذاكرة، ويَبست الأصابع، وجفت العواطف، وتحجَّرت المشاعر، وعجز القلم عن البيان.

اللهم بَصّرني بما يُرضيك، واشرح صدري، وجنبني اللهم ما لا يرضيك، واصرفه عن قلبي وتفكيري، وأسألك يا الله بأسمائك الحسنة وصفاتك العلا أن تثبتني وإخواني الذين أعانوني على إتمام هذا العمل.

اللهم اجعله لوجهك خالصاً، ولعبادك نافعاً، واطرح فيه البركة والقبول والنفع العظيم، كما أرجو من كل من يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من الدعاء، قال تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].

والحمد لله رب العالمين

الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه

د. عَلي محمَّد محمَّد الصَّلَّابيّ

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022