الأحد

1447-01-04

|

2025-6-29

موقف عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام من خلافة أبو بكر الصِّدِّيق (رضي الله عنهم جميعاً)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

محرم 1447ه/ يونيو 2025م

 

وردت أخبارٌ كثيرةٌ في شأن تأخُّر عليٍّ عن مبايعة الصِّدِّيق ـ رضي الله عنهما ـ وكذا تأخَّر الزُّبير بن العوَّام، وجُلُّ هذه الأخبار ليس بصحيح إلا ما رواه ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: إنَّ عليّاً، والزُّبير، ومن كان معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله (ص (الحرابي، ص 96-97)، فقد كان انشغال جماعةٍ من المهاجرين، وعلى رأسهم عليُّ بن أبي طالبٍ بأمر جهاز رسول الله (ﷺ) من تغسيلٍ، وتكفينٍ، ويبدو ذلك واضحاً فيما رواه الصحابيُّ سالم بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ من أنَّ أبا بكرٍ قال لأهل بيت النَّبي، وعلى رأسهم عليٌّ: عندكم صاحبكم، فأمرهم يغسلونه (السيد، ص 98).

وقد بايع الزُّبير بن العوَّام، وعليُّ بن أبي طالبٍ ـ رضي الله عنهما ـ أبا بكرٍ في اليوم التالي لوفاة الرَّسول (ﷺ)، وهو يوم الثلاثاء، قال أبو سعيد الخدريُّ: لمّا صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزُّبير بن العوَّام، فدعا بالزُّبير، فجاء، فقال له أبو بكرٍ: يأبن عمَّة رسول الله (ﷺ)، وحواريَّه، أتريد أن تشقَّ عصا المسلمين؟! فقال الزُّبير: لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله! فقام الزُّبير، فبايع أبا بكر. ثم نظر أبو بكرٍ في وجوه القوم، فلم ير عليَّ بن أبي طالبٍ، فدعا بعليٍّ، فجاء، فقال له أبو بكرٍ: يأبن عمِّ رسول الله (ﷺ)، وختنه على ابنته، أتريد أن تشقَّ عصا المسلمين؟!

فقال عليٌّ: لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله (ﷺ)! فقام عليٌّ، فبايع أبا بكرٍ.

وممَّا يدلُّ على أهمِّيَّة حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ الصَّحيح: أن الإمام (مسلم ابن الحجا) صاحب « الجامع الصحيح » ـ الذي هو أصحُّ الكتب الحديثيَّة بعد « صحيح البخاريِّ » ـ ذهب إلى شيخه الحافظ محمَّد بن إسحاق بن خزيمة ـ صاحب صحيح ابن خزيمة ـ فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنةً، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث لا يساوي بَدَنَةً فقط، إنَّه يساوي بدرة مالٍ .

وعلَّق على هذا الحديث ابن كثير ـ رحمه الله ـ فقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ محفوظٌ، وفيه فائدةٌ جليلةٌ، وهي مبايعة علي بن أبي طالبٍ إمّا في أوَّل يومٍ، أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حقٌّ، فإنَّ علي بن أبي طالبٍ لم يفارق الصِّدِّيق في وقتٍ من الأوقات، ولم ينقطع في صلاةٍ من الصلوات خلفه. وفي رواية حبيب ابن أبي ثابتٍ، حيث قال: كان عليُّ بن أبي طالبٍ في بيته، فأتاه رجلٌ، فقال له: قد جلس أبو بكرٍ للبيعة، فخرج عليٌّ إلى المسجد في قميصٍ له، ما عليه إزارٌ، ولا رداءٌ، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطأ عن البيعة. فبايع أبا بكرٍ، ثمَّ جلس، وبعث في ردائه، فجاءوه به، فلبسه فوق قميصه (صححه ابن كثير في البداية والنهاية، 5/249).

وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد ـ رضي الله عنه ـ فقال له: أشهِدْتَ وفاة رسول الله (ﷺ)؟ قال: نعم. قال له: متى بويع أبو بكرٍ؟ قال سعيدٌ: يوم مات رسول الله (ﷺ) كره المسلمون أن يبقوا بعض يومٍ، وليسوا في جماعةٍ. قال: هل خالف أحدٌ أبا بكرٍ؟ قال سعيد: لا. لم يخالفه إلا مرتدٌّ، أو كاد أن يرتدَّ، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه، وبايعوه (ابن كثير، ص 5/249).

قال: هل قعد أحدٌ من المهاجرين عن بيعته؟ قال سعيد: لا. لقد تتابع المهاجرون على بيعته.

وأمّا عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ فلم يفارق الصِّدِّيق في وقتٍ من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعةٍ من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين.

ويرى ابن كثيرٍ، وكثيرٌ من أهل العلم: أنَّ عليّاً جدَّد بيعته بعد ستَّة أشهرٍ من البيعة الأولى، أي بعد وفاة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وجاءت في هذه البيعة رواياتٌ صحيحةٌ.

والبعض يرى أنه تأخر في بيعته زمناً، وبعض أهل العلم والتاريخ ينازعون في هذه المسألة وجاء في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن علياً رضي الله عنه ‌لم ‌يبايع ‌أبا ‌بكر رضي الله عنه إلا بعد ستة أشهر، وهذه على كل حال مسألة مختصة، فإنه ثبت في الصحيح وغيره أن علياً بايع بعد ذلك، وبيعة علي لأبي بكر متفق عليها بين المسلمين من أهل السنة (الخالدي، ص 56).

وقد صحّ بما ذكرنا اجتماعهم على مبايعة أبي بكر رضي الله عنه، مع علي بن أبي طالب فلا يجوز لقائل أن يقول: كان باطن علي أو غيره بخلاف ظاهره. فكان علي أكبر محلا وأجل قدراً من أن يقدم على هذا الأمر العظيم بغير حق أو يظهر للناس خلاف ما في ضميره ولو جاز هذا في اجتماعهم على خلافة أبي بكر لم يصح إجماع قط، والإجماع أحد حجج الشريعة ولا يجوز تعطيله بالتوهم. والذي روي أن علياً ‌لم ‌يبايع ‌أبا ‌بكر ستة أشهر ليس من قول عائشة إنما هو من قول الزهري فأدرجه بعض الرواة في الحديث عن عائشة في قصة فاطمة رضي الله عنهم وحفظه معمر بن راشد فرواه مفصلاً وجعله من قول الزهري منقطعاً من الحديث. وقد جاء في الحديث الموصول عن أبي سعيد الخدري أن علياً بايعه في بيعة العامة بعد البيعة التي جرت في السقيفة ويحتمل أن علياً بايعه بيعة العامة، ثم شجر بين فاطمة وأبي بكر كلام بسبب الميراث إذ لم تسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الميراث ما سمعه أبو بكر وغيره فكانت معذورة فيما طلبته وكان أبو بكر معذوراً فيما منع فتخلف علي عن حضور أبي بكر حتى توفيت، ثم كان منه تجديد البيعة والقيام بواجباتها (الغفيص، 4/28).

وكان عليٌّ في خلافة أبي بكرٍ عيبة نصحٍ له، مرجِّحاً لما فيه مصلحةٌ للإسلام، والمسلمين على أيِّ شيءٍ اخر، ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه لأبي بكرٍ، ونصحه للإسلام، والمسلمين، وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة، واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجُّه أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ بنفسه إلى ذي القصَّة (الشيخ، 2/553)، وعزمه على محاربة المرتدِّين، وقيادته للتحرُّكات العسكرية ضدَّهم بنفسه، وما كان في ذلك من مخاطرةٍ وخطرٍ على الوجود الإسلاميِّ، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لمّا برز أبو بكرٍ إلى ذي القصَّة، واستوى على راحلته؛ أخذ عليُّ بن أبي طالبٍ بزمامها، وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله (ﷺ) ؟! أقول لك ما قال رسول الله (ﷺ) يوم أحدٍ: لمَّ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظامٌ أبداً! فرجع (ابن كثير، 6/314).

فلو كان عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ أعاده الله من ذلك ـ لم ينشرح صدره لأبي بكرٍ، وقد بايعه علي رغماً من نفسه، فقد كانت هذه فرصةً ذهبيَّةً ينتهزها عليٌّ، فيترك أبا بكرٍ وشأنه، لعلَّه يحدث به حدثٌ، فيستريح منه، ويصفو الجوُّ له، وإذا كان فوق ذلك ـ حاشاه عنه ـ من كراهته له، وحرصه على التخلُّص منه، أغرى به أحداً يغتاله، كما يفعله الرِّجال السياسيون بمنافسيهم، وأعدائهم (الندوي، ص 97).

وقد توعد الله من يخالف الإجماع العذاب الشديد قال تعالى: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ الآية. والذين يدّعون أنّ علياً رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر أصلاً وخالف إجماع الأمة فيه محجوجون بهذه الآية فهذا ممّا يدل على إيقاع الوعيد على علي إذا لم يبايع حقاً، وحاشاه من إيقاع الوعيد عليه ومخالفته سبيل المؤمنين، إذ مثل ذلك يرفع الأمانة والتقوى، فضلا عن استحقاق الخلافة (منيب، ص 165).

المراجع:

1. السيد، مجدي فتحي، صحيح التوثيق في سيرة حياة الصِّدِّيق.

2. ابن كثير، أبو الفداء الحافظ الدمشقي، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م.

3. الخالدي، صلاح عبدالفتاح، الخلفاء الرَّاشدون بين الاستخلاف والاستشهاد، دار القلم، دمشق، الدَّار الشَّامية، بيروت، الطَّبعة الأولى 1416هـ 1995م.

4. الغفيص، يوسف، شرح العقيدة الطحاوية.

5. الشيخ، ناصر بن علي، عقيدة أهل السنة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة، 2000م.

6. الندوي، أبو الحسن، المرتضى سيرة علي بن أبي طالب.

7. منيب، عبدالله، الحجج الباهرة، مكتبة الإمام البخاري، الطبعة الأولى، 2000م.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022