الأربعاء

1446-12-08

|

2025-6-4

(كفاح ابن باديس من أجل الحريات)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):

الحلقة: 180

بقلم: د.علي محمد الصلابي

صفر 1443 ه/ سبتمبر 2021

1 ـ حرية التعليم:

ناضل ابن باديس في سبيل حرية التعليم العربي، واعتبر اللغة الفرنسية لها الحق في الوجود. وقال بكل وضوح: لو حرمنا من حرية تعلم اللغة الفرنسية التي هي سبيلنا إلى اداب الغرب وعلومه وفنونه وفهمه من جميع جهاته، كما حرمنا من حرية تعلم لغتنا ؛ لوقفنا إزاء ذلك الحرمان ـ لو كان ـ كوقوفنا إزاء هذا الحرمان.

ويرى ابن باديس حرية التعليم ليست قضية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بل هي مسألة الأمة كلها، وندد بالازدواجية في تعامل الإدارة الفرنسية مع تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية، فمعلموها يتعرضون للمعارضة والمناهضة، ويجدون مقاومة ومحاكمة ؛ بينما غيرهم من معلمي اللغات والأديان والمروجين للنصرانية في السهول والصحارى والجبال بين أبناء وبنات الإسلام في أمن وأمان، بل في تأييد بالقوة والمال.

وبمناسبة زيارة رئيس الوزراء الفرنسي «دلادبي» إلى الجزائر في بداية عام 1939م ؛ وجه له ابن باديس رسالة: إن الجزائر المسلمة تنتظر منكم حرية دينها ولغتها، حرية المساجد لتعليم الكبار، وحرية المدارس لتعليم الصغار، وحرية النوادي.. وسراح مساجينها الفكريين.

2 ـ الحرية السياسية:

حرص ابن باديس على مساندة كل المواقف والاراء التي تطالب بحق الجزائريين في الممارسة السياسية والنضال بكل حرية، وحرص أيضاً في توجيهاته إلى أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بإبقاء جمعيتهم مستقلة عن كل الأحزاب والتيارات السياسية وقال: إن الجمعية لا توالي حزباً من الأحزاب ولا تعادي حزباً منها، وإنما تنصر الحق والعدل والخير في أي ناحية كان، وتقاوم الباطل والظلم والشر من أي جهة أتى، محتفظة في ذلك كله بشخصيتها ومبادئها، محترسة في جميع مواقفها مقدرة للظروف والأحوال بمقاديرها.

وكثيراً ما كان ابن باديس يخاطب النخبة الفكرية والسياسية الفرنسية بمبادئ الثورة الفرنسية: الأخوة، الحرية، المساواة، وكان يطمع في حكمة المفكرين الفرنسيين الأحرار الذين وصفهم بأصحاب الصدور الواسعة والقلوب الكبيرة ؛ للضغط على اللوبي الاستعماري والدفاع عن حقوق الجزائريين: نحن مع فرنسا الحرة التي نراها في وجوه أبنائها الأحرار، وما أبناؤها إلا الذين يسيرون مع الناس كلهم بمبادئها الخالدة: الحرية، والمساواة، والأخوة، لا يفرقون في هذه المبادئ بين الأجناس والأديان، أولئك الأحرار الحقيقيون، نحن معهم وسنبقى معه.

ثم دعا هؤلاء الأحرار إلى الوفاء لمبادئهم وتجسيد شعاراتهم في الجزائر، وإلا فلا قيمة لاراء وأقوال بلا أعمال: أيها الإخوان الفرنسيون المحتفلون بالحرية، إن الأمة الجزائرية تحتفل معكم وتشارككم في الاحتفال بالحرية في أيام السلم، كما شاركتكم في الدفاع عن الحرية على ضفاف المارن وتحت حصون فردان، وهي تسألكم باسم الحرية أن تعملو لتنال حظها من الحرية خصوصاً وقبل كل شيء حرية تعلّمها لدينها ولغة دينها.

وتساءل عن هذا الخوف المفرط لدى السلطة الفرنسية القلقة من جمعية قامت من أجل الإصلاح الديني، في الوقت الذي تكاثرت الجمعيات الإصلاحية في المستعمرات البريطانية، أفتكون في الهند جمعيات للعلماء تقوم بأعمالها بغاية الحرية والهناء عشرات من السنين تحت السلطة الإنكليزية الغاشمة القاسية ؛ وتضيق صدوركم أنتم عن تكوين جمعية واحدة للعلماء المسلمين بالجزائر تحت المبادئ الجمهورية العادلة المشعة بعلومها على الأمم، فتناهضوها وهي ما تزال في المهد؟

ورداً أيضاً على المقيم العام الفرنسي الذي اتهم جمعية العلماء بالاشتغال بالسياسة، فقال له: إن من حقها أن تقوم بذلك باعتبار الاهتمام بالشأن العام. وضرب أمثلة من رجال الدين الأوروبيين الذين يمارسون السياسة بكل حرية، وتوقف عند الكاردينال ريشلبو الذي كان رئيساً للوزراء في فرنسا وأحد مؤسسي الدولة الفرنسية الحديثة، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع.

وفي مجال السجال السياسي في العالم العربي، ساند ابن باديس الأمير شكيب أرسلان في فكرته القائلة بأن الوحدة السياسية العربية تكون فقط بين الدول المستقلة التي تتمتع بالحرية، واعتبر صديقه الليبي سليمان الباروني أن ذلك تهميش للمغرب العربي وتبرؤ منه، قال ابن باديس: إنه ليس من المنطق أو الممكن أن تنضم دول مستضعفة ومستعمرة إلى الوحدة السياسية العربية، ولكن الوحدة القومية والأدبية متحققة بينها لا محالة.

3 ـ حرية الرأي والتعبير:

اختلف ابن باديس مع مصالي الحاج زعيم حزب نجم شمال افريقيا في مسألة مساندة مشروع فيوليت، فقال ابن باديس أنه وافق على هذا المشروع لتحقيق مكاسب سياسية بشرط عدم المساس بالشخصية الإسلامية للجزائريين. بينما رفضه مصالي جملة وتفصيلاً باعتباره يتناقض مع مطالب حزبه بالاستقلال. ورغم هذا الاختلاف، احترم ابن باديس رأي مصالي وأتباعه وقال: نحن نحترم رأي هذه الأقلية ونؤمل بقاءها على رأيها، وهي تطالب بالاستقلال وأي إنسان يا سادة لا يحب الاستقلال؟ إن البهيمة تحن إلى الاستقلال الذي هو أمر طبيعي في وضعية الأمم.

كما دافع عن حق مصالي الحاج في العمل السياسي، واحتج ضد اعتقاله وحلِّ حزبه نجم شمال افريقيا ثم حزب الشعب، بذريعة المساس بالأمن العام والتطرف في مطالبه، وقال ابن باديس أنها تهم ملفقة وذكر أحزاباً فرنسية متطرفة وعنيفة غير أنها لم تمس ولم تتعرض لأي عقاب أو منع نشاطها، بل ذهب ضحيتها ليون بلوم رئيس الحكومة الفرنسية الذي تعرض للضرب المبرح من أنصار حزب متطرف، ومدح الصحافة الحرة واعتبرها بمثابة قوة لا غنى عنها لأمة راقية، ولا رقي لأمة ناهضة في هذا العصر بدونها.

ولكن الصحافة أيضاً لها خطورة عندما لا تحترم حرية الأخرس، وتمارس التدليس والتلبيس، وتتجاهل الحقيقة وتتجاهل على الأبرياء، ولم يسلم منها الصحف الكبيرة، فتعرض ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين لأباطيل نشرتها جريدة لوطان الباريسية.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022