من كتاب الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)
(النفقات العامة للدولة في عهد معاوية رضي الله عنه)
الحلقة: الثامنة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
1 ـ النفقات العسكرية:
حملت الدولة الأموية على عاتقها مهمة مواصلة نشر الإسلام في أرجاء المعمورة ، ولذلك اتسعت الدولة الإسلامية في العصر الأموي اتساعاً كبيراً ، وقد تم لها ذلك على الرغم مما كانت تعانيه من فتن وقلاقل داخلية تتطلب أموالاً طائلة لإخمادها ، وتتضح معالم النفقات العسكريـة في العصر الأموي من خلال نفقات الجند والصناعات الحربية.
أ ـ رواتب الجند: ويشرف عليها ديوان الجند ، وتجمع المصادر على أن أول من وضعه ورتبه هو الخليفة عمر بن الخطاب سنة 20 هـ ، وقد بقي هذا الديوان على الأساس نفسه من حيث حفظ سجلات بأسماء المقاتلين وأوصافهم ، وأنسابهم ومقدار أعطياتهم ، وقد عمل معاوية بن أبي سفيان على تحسين حالة الجند المعاشية فزاد في أعطياتهم ، بسبب الظروف المستجدة وتحسن الأحوال الاقتصادية في الدولة ، وكان أمير المؤمنين معاوية: يتفقد أحوال القبائل ، كجزء من سياسته في حفظ التوازن بين قبائل اليمن والقبائل القيسية ، وكان قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلاً يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود ؟ وهل نزل بكم نازل ؟ فيقال: ولد لفلان غلام ولفلان جارية ، فيقال: سموهم ، فيكتب ، ويقال: نزل بنا رجل من أهل اليمن بعياله ، فيسمونه وعياله ، فإذا فرغ من القبائل كلها أتى الديوان ، وكان للجند ديوان مركزي في دمشق، في حين وجدت دواوين فرعية في مراكز الولايات: كالكوفة والبصرة والفسطاط.
وكان سلم رواتب الجند في عهد معاوية كالآتي: على درجات: شرف العطاء والمرتب 2000 درهم ، عطاء العرب فئة(أ) 300 درهم، فئة (ب) 1000 درهم ، فئة (جـ) 1500 درهم ، وأدخل الموالي في العطاء، وكانت نفقات رواتب الجند في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كالآتي:
ـ في منطقة مصر: كان عدد المسجلين في الديوان 40000 جندي منهم أربعة الاف مسجلين بشرف العطاء ، وبالتالي يكون مجمل عطائهم 8000000 درهم ، أما بقية المسجلين في الديوان فكان عددهم 36000 جندي ، وعلى فرض أن عطاء الجندي سنوياً هو 300 درهم يصبح إجمالي عطاؤهم 10800000 درهم.
ـ في منطقة الشام: كان عدد الجند المسجلين في ديوان الشام ستين ألف جندي ، كان الدخل السنوي لكل جندي ألف درهم ، أما إجمالي نفقات جند الشام فبلغ ستين مليون درهم.
ـ في العراق نأخذ مثالاً ديوان البصرة: حيث بلغ عدد المسجلين به ثمانين ألف مقاتل ، وبلغت مرتباتهم في عهد زياد 36000000 درهم ، فإذا أخرجنا منهم نسبة 10 مسجلين في شرف العطاء ، (قياساً على ديوان مصر) يكون المتبقي 20000000 درهم ، وعليه يكون متوسط الدخل للجندي في ديوان البصرة حوالي 278 درهماً ، ويمكن قياس بقية منطقة العراق على هذا.
وقامت الدولة الأموية بتطوير ديوان الجند ، وهو الجهة المسؤولة عن نفقات ورواتب الجند وكان من أبرز صور هذا التطوير ما يلي:
* فقد قام مندوب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه المكلف بتوزيع عطاء المدينة بدفع عطاء كل رجل في يده مباشرة ، وكان النظام السابق هو أن يدفع العطاء إلى العرفاء. لكن هؤلاء العرفاء لم يكونوا يغيبون غائباً ولا يميتون ميتاً.
* وفي عهد معاوية قام واليه على العراق زياد بن أبيه ، بتخفيض النفقات الإدارية لديوان الجند ، حيث اختصر عدد العرفاء المسؤولين عن توزيع العطاء ليصبح لكل قبيلة عريف واحد.
ب ـ نفقات الصناعات الحربية: على الرغم من عدم وجود أرقام محددة في نفقات الدولة على الصناعات الحربية، إلا أن هناك ما يدل على اتجاه هذه النفقة نحو التزايد ، فقد كان اهتمام الدولة الأموية منصباً على تطوير سلاح البحرية ، وقد بلغ عدد قطع الأسطول البحري الإسلامي في بداية تكوينه مئتي مركب ، ثم تطور على يد الدولة الأموية ليبلغ في عهد سليمان بن عبد الملك ألفاً وثمانمئة سفينة كبيرة.
2 ـ النفقات الإدارية:
تقسم هذه النفقات إلى قسمين: رواتب الموظفين، ونفقات المستلزمات الإدارية. وكانت هذه الأخيرة ضئيلة للغاية، ومتمثلة في الشموع وأوراق الكتابة ، وغيرها من الأدوات البسيطة التي لا تشكل شيئاً يذكر بالنسبة لما هو عليه الأمر اليوم ، ومع ذلك فقد تميز عهد عمر بن عبد العزيز بالحساسية للمال العام ، فكانت هذه النفقات في عهده أقل من غيره من العهود ، وسنركز الحديث على رواتب الموظفين ، ويبدو أن رواتب الموظفين كانت متروكة إلى والي الإقليم ، يحدد لنفسه ولعماله رواتبهم حسب ما يرى ، وقد ساعدت هذه اللامركزية على ظهور مرتبات كبيرة ـ نسبياً ـ إذا ما قورنت بالمرتبات في عهد عمر بن الخطاب ، وبمتوسط مستوى المعيشة المتواضع نسبياً في الدولة الأموية؛ حيث بلغ مرتب والي العراق زياد بن أبيه خمسة وعشرين ألف درهم شهرياً، وظهرت أيضاً إلى جانب المرتبات الكبيرة مخصصات إضافية ، فهذا زياد بن أبيه يجعل لأحد الولاة التابعين لإدارته مئة ألف درهم سنوياً عدا مرتبه.
وهذه بعض النماذج من رواتب الموظفين خلال فترات من العصر الأموي ، يمكن اعتبارها مؤشراً على مستوى رواتب ومكافآت موظفي الدولة ، وذلك لعدم العثور على معلومات تفصيلية عنها:
أ ـ كان الحد الأقصى لرواتب الكتاب طوال العصر الأموي وطرفاً من العباسي حتى عهد المأمون هو 3600 درهم سنوياً ، وكان حدها الأدنى 720 درهماً سنوياً.
ب ـ يرجح أن أكبر مرتب لصاحب الشرطة في العصر الأموي بلغ مئة ألف درهم سنوياً.
جـ مرتبات القضاة كانت عبارة عن رزق يجري عليهم من بيت المال ليتفرغوا للقضاء ، وكان حده الأدنى ألف ومئتي درهم سنوياً، وأما الحد الأقصى فقد بلغ ثلاثة آلاف درهم سنوياً.
3 ـ مصارف الزكاة:
حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٦٠} [التوبة: 60].
4 ـ مصارف الفيء:
قال سبحانه وتعالى: {مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ } [الحشر: 7].
5 ـ معظم مصارف العشور:
التي تؤخذ من المسلمين هي نفقات تحويلية؛ لأنها تعتبر في حقهم زكاة ، فتصرف في مصارف الزكاة.
6 ـ نفقات الضمان الاجتماعي:
تطورت نفقات الضمان الاجتماعي في الدولة الأموية ، وكانت في صورة عينية، وكمثال على ذلك ما ورد من أن الفقراء في إقليمي الحجاز والعراق خلال الفترة (45 ـ 53 هـ) كانوا يحملون بطاقات حُدد لهم فيها الكمية المخصصة لكل فرد منهم من المعونة العينية، ثم أصبحت في عهد عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101 هـ) مزيجاً من النفقات النقدية والعينية ، وكمثال على المعونات النقدية: قضاء دين من أدان في غير سفه ، ولا سرف، وتزويج الرجل الذي ليس له مال وله رغبة في الزواج، ومثال النفقات العينية: أنه أمر لكل أعمى بقائد، ولكل خمسة من اليتامى بخادم، وشملت في عهده نفقات الضمان الاجتماعي غير المسلمين ، ثم تطور الأمر حتى مثلت نفقات الضمان الاجتماعي بنداً محدداً من بنود النفقات العامة للدولة ، ومثال ذلك: يوجد ضمن بنود النفقات العامة السنوية في إقليم العراق خلال الفترة (120 ـ 126 هـ) مبلغ عشرة الاف درهم ، مخصص لبيوت رعاية الأحداث ، والعواتق.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf