الإثنين

1447-03-02

|

2025-8-25

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

فتوحات موسى بن نصير (85 هـ):

الحلقة: 129

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1442 ه/ يناير 2021

لا يتفق المؤرخون على تاريخ محدد لتولية موسى بن نصير على المغرب وعزل حسان بن النعمان عنه، ولكن الأقرب إلى تسلسل الأحداث أن يكون عزل حسان وتولية موسى بن نصير في سنة 85 هـ، قبيل وفاة عبد العزيز بن مروان، والذي ينسب إليه المؤرخون عزل حسان وتولية موسى ، وبعد أن عزل عبد العزيز بن مروان والي مصر
حسان بن النعمان والي إفريقية ولَّى مكانه موسى بن نصير، وكان في أواخر سنة خمس وثمانين الهجرية أو في أوائل سنة ست وثمانين الهجرية، وعندما توافدت الجيوش، قام موسى بن نصير خطيباً، فكان مما قاله: وإنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة، فليحمد الله، وليحض على مثلها، ومن رأى مني سيئة، فلينكرها، فإني أخطأى كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون، وقد أمر الأمير أكرمه الله لكم بعطاياكم وتضعيفها ثلاثاً، فخذوها هنيئاً مريئاً، من كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله عندنا قضاؤها على ما عزَّ وهان، مع المواساة إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهكذا أنجز موسى قبل أن يدخل إفريقية حشد جيشه، وأكمل استحضاراته الإدارية، وساوى نفسه برجاله، وسار موسى متوجهاً إلى الغرب، وكان الأمن غير مستتب، فلما وصل إفريقية برز موسى بن نصير قائداً منتصراً في فتح المغرب، ويرجع ذلك إلى السياسة التي اتبعها مع الأهالي، وهي سياسة التعاون والاندماج الكلي مع البربر، فحين كان يقدم على موسى وفود القبائل ليعلنوا ولاءهم كان يولي عليهم رجلاً منهم، ويأخذ رهائن من خيارهم لضمان هذا الولاء، كما فعل مع وفد كتامة ومع وفد مصمودة وغيرهم ، ولكن ما أن يعتنق البربر الإسلام، كان موسى يقر زعماءهم في الرئاسة مقابل مساهمة كل قبيلة بعدد كافٍ من المقاتلين للانضمام للمقاتلة العرب. وأعطت سياسة التفاهم هذه ثمارها، فقد استطاع موسى أن يجند أعداداً كبيرة من قبائل البربر مثل كتامة وهوارة وزناتة ومصمودة، وألحق موسى بن نصير هؤلاء المقاتلة من البربر مع جراوة الذين كانوا قد جندوا في عهد حسان، ووضعهم جميعاً في حامية طنجة تحت قيادة طارق بن زياد الذي وليها سنة 90 هـ من قبل موسى بن نصير .

ومن الوسائل التي استخدمها موسى في تأليف القلوب وضبط الأمور، وتقوية الدولة الإسلامية:

1 ـ عتق بعض السبايا:

كان موسى بن نصير يعتق بعض سباياهم ويتولاهم في نطاق خطته لتشجيع البربر على الدخول في الإسلام، فكان يشتري من السبايا من كان في ظنه أن يقبل الإسلام.

2 ـ تطبيق مبدأ المساواة:

فقد ساوى في النفل بين البربر المسلمين والعرب الذين أبلوا بلاء حسناً، وذلك تشجيعاً وتقديراً لبلائهم، وبهذا التصرف تمكن موسى من جلب أعداد كبيرة إلى الإسلام وإشراكهم في الجيش الإسلامي .

3 ـ التنظيم الإداري:

ويبدو أن موسى بن نصير حين دخل إفريقية وجدها في حاجة ماسة إلى إدارة مستقرة، فقد انفردت كل قبيلة بربرية بناحيتها، واستبدت بها دون أن تخضع لولاة أو عمال، فأخذ موسى يعمل على إخضاع كل المغرب إلى الحكم الإسلامي، فبدأ ينقل البيزنطيين من المدن الساحلية والنواحي الداخلية، وأسكنهم قرب مراكز الحكم الإسلامي مما يتيح للمسلمين مراقبتهم ودعوتهم وتعليمهم.

4 ـ تكوين القوة البحرية:

أنشأ حسان بن النعمان دار صناعة السفن بتونس، ثم استكملها بعده موسى بن نصير وعبيد الله بن الحباب، ويذكر أنه صنع بها مراكب مما مكنه من غزو صقلية.

5 ـ سك النقود:

ويبدو أنه بادر بسك النقود بإفريقية، إذ يرى حسن حسني عبد الوهاب أن أول أمير سك النقود بإفريقية، هو موسى بن نصير سنة 95 هـ .
وتتلخص أعمال موسى بن نصير في حرصه على نشر الإسلام بين البربر، ولهذا كان يختار عمالاً يحسنون السيرة في أهالي المناطق المفتوحة ، واختار فئة من أصحابه لتعليم البربر حديثي الإسلام، القران ومبادئ الإسلام. فقد أمر العرب أن يعلموا البربر القران وأن يفقهوهم في الدين ، وذكر ابن عذارى: أن موسى ترك سبعين رجلاً من العرب في طنجة يعلمون البربر القران وشرائع الإسلام. وهذه السياسة هي استمرار لسياسة عقبة بن نافع وحسان بن النعمان . وهذا أدى إلى انتشار الإسلام في المغرب الأقصى .
واستطاع موسى بن نصير بعد حملات جهادية منظمة السيطرة على جميع شمال إفريقية من برقة إلى المحيط الأطلسي وأصبح سيد إفريقية بدون منازع، وكان أولاده من ضمن قادته في فتوحاته الكبرى وكانت له حملات بحرية على جزر البحر الأبيض المتوسط، ومن أشهر تلك الحملات ما سمي بحملة الأشراف؛ بسبب اشتراك أشراف الناس فيها، وكانت وجهتها جزيرة صقلية؛ حيث بلغ عدد مقاتليها بين التسعمئة والألف، وكانت بقيادة ابنه عبد الله الذي حقق نصراً حاسماً حتى غنم المسلمون غنائم كثيرة بلغ فيها سهم المقاتل مئة دينار ذهب .
هذا ولم تقتصر حملات موسى بن نصير البحرية على مقاتلة إفريقية بل شملت دعم الحملات البحرية في ولاية مصر ، هذا وقد توجت هذه الانتصارات البحرية الرائعة التي حققها الأسطول الإسلامي بفتح بلاد الأندلس الذي خطط له موسى بن نصير ونفذه طارق بن زياد، وتم بشكل نهائي بتوفيق الله ثم جهود هذين القائدين العظيمين .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022