معنى "الرجولة" في الفهم القرآني
مختارات من كتاب (فقه النصر والتمكين)
الحلقة: الرابعة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
تكرر وصف رجال في القرآن الكريم في عدة مواضع في القرآن الكريم، والناظر فيها يرى أنها جاءت في وصف أشخاص كان لهم مواقف شجاعة في الجهر بالحق والدعوة إلى الله ورفض الظلم، فالرجولة في القرآن الكريم جاءت وصفاً لمنهجية فريدة لمؤمنين أخلصوا لله تعالى وصدقوا في دعوتهم، وامتازوا بالحرص على الهداية، وظهور الشجاعة، وترتيب الأفكار، وقوة المنطق، وترجع تلك الصفات إلى تمكن الإيمان الحقيقي في قلب ذلك الرجل الرباني، كما أن المرسلين الذين استطاعوا أن يضموا إلى موكب الإيمان وقافلة الدعوة مثل هؤلاء الرجال المخلصين لَدلَيل على نصر الله لهم وتمكين دعوتهم وظهور حجتهم. إن دعوة الله يستجيب لها من اتصف بصفة الرجولة، وهناك فرق بين الرجولة والذكورة، فإن الذكورة تقابل الأنوثة، فالزوجان هما الذكر والأنثى.
والذكورة صفة جسدية بدنية ليس إلا؛ لكنّ الرجولة تشير إلى الشدة والقوة والتحمُّل والشجاعة والثبات، فهي تشير إلى صفات نفسية، ومزايا معنوية، وفضائل أخلاقية.
ولعله لأجل هذا وردت صفة الرجولة في مقام مدح وثناء وإشارة، قال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ...) [القصص: 20].
وقال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [يس:20].
وقال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) [غافر:28].
وقال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
وقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ `رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) [النور: 36، 37].
وقال تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108].
إن خطوة ذلك الرجل المؤمن تعتبر موقفًا إيمانيًا عظيمًا، وتدل على أن الحياة فعلاً مواقف، وأن الرجال بمواقفهم لا بأعمارهم، لقد آمن في وقت المحنة والشدة والابتلاء، واتَّبع المرسلين وهم مستضعفون، وتحدى بذلك القوة المادية الغاشمة، وأعلن عن إيمانه وطلب أن يسمعوه، مع أنه يرى الخطر أمامه، ويتوقع أن يناله الأذى والمكروه، وقد يؤدي موقفه إلى إزهاق روحه، ومع ذلك آمن وأعلن إيمانه، واستعد لتحمل نتيجة موقفه (1).
إن الذين يسعون لتمكين شرع الله في دنيا الناس عليهم أن يتصفوا بصفات الرجولة ويحرصوا على ضم من تظهر فيهم هذه الصفات الجميلة إلى صفوفهم.
إن ذلك الرجل الرباني أصبح نبراسًا ومعلمًا بارزًا على طريق الدعوة، يقتدي به الدعاة في انحيازهم إلى جانب الحق والتزامه والدعوة إليه، ولسان حال أحدهم يقول للآخرين: (إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ).
إن انتصار منهج الله والتمكين له وتعرف الناس عليه، يحتاج إلى رجال يرفعون أصواتهم حتى يسمع الآخرون، إن جمال الحياة ورونقها البهي وحلاوتها النضرة تكون بنصرة الحق ودك الباطل في حصونه.
وإن المواقف الإيمانية ابتغاء مرضاة الله رفعة للداعية في الدنيا والآخرة.
-------------------------
مراجع الحلقة الرابعة:
انظر: مع قصص السابقين للخالدى (7/256).
يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي