الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

من أسماء الله الحسنى(السلام)

د. علي محمد الصلابي

من أسماء الله تعالى اسم السلام، الذي يضيء بنوره في سماء المعرفة الربانية، ويُذكِّر العبادَ بأن الله هو مصدر الأمن والاستقرار، وهو المنزَّه عن كل نقصٍ وعيب، فالله السلام الذي سلمت ذاته من كل عيبٍ، وسلمت صفاته من كل نقصٍ، وسلم أفعاله من كل ظلمٍ أو شرٍّ، وهو الذي يُسلم عباده المؤمنين من كل مخاوف الدنيا والآخرة، ويُدخلهم دار السلام، حيث الأمان الأبدي والنعيم المقيم، فما أعظمه من اسم! وما أجمله من وصف! إذ يفيض على القلوب المؤمنة سكينةً، وعلى النفوس المطمئنة اطمئنانًا، فنحن إذ نتدبَّر هذا الاسم الكريم، نجد أنفسنا أمام بحرٍ من الدلالات الإيمانية التي تُعمِّق صلتنا بالله، وتزيدنا يقينًا بأنه سبحانه الملجأ الحقيقي من كل بلاء، والمصدر الأوحد للسلام الحقيقي في الدنيا والآخرة.

قال ابن القيم: ولَمَّا كان السلام اسمًا من أسماء الرب تبارك وتعالى، وهو اسم مصدر في الأصل كالكلام والعطاء، بمعنى السلامة، كان الرب تعالى أحقَّ به من كل ما سواه؛ لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذمٍّ، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وكماله من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب، وسلامة أسمائه من كل ذمٍّ، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له، وسلب جميع النقائص عنه، وهذا معنى سبحان الله والحمد لله، ويتضمن إفراده بالألوهية وإفراده بالتعظيم، وهذا معنى لا إله إلا الله، والله أكبر، فانتظم اسم السلام الباقيات الصالحات التي يُثنى بها على الرب جل جلاله، ومن بعض تفاصيل ذلك أنه الحي الذي سلِمت حياته من الموت والسِّنة والنوم والتغير، القادر الذي سلِمت قدرته من اللغوب والتعب والإعياء والعجز عما يريد، العليم الذي سلم علمه أن يعزب عنه مثقال ذرة، أو يغيب عنه معلوم من المعلومات، وكذلك سائر صفاته على هذا، فرضاه سبحانه سلامُ أن ينازعه الغضب، وحلمه سلام أن ينازعه الانتقام، وإرادته سلام أن ينازعها الإكراه، وقدرته سلام أن ينازعها العجز، ومشيئته سلام أن ينازعها خلاف مقتضاها، وكلامه سلام أن يعرض له كذب أو ظلم، بل تمت كلماته صدقًا وعدلًا، ووعده سلام أن يلحقه خلف، وهو سلام أن يكون قبله شيء أو بعده شيء، أو فوقه شيء أو دونه شيء، بل هو العالي على كل شيء، وفوق كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، والمحيط بكل شيء، وعطاؤه ومنعه سلام أن يقع في غير موقعه، ومغفرته سلام أن يبالي بها أو يضيق بذنوب عباده، أو تصدر عن عجز عن أخذ حقِّه كما تكون مغفرة الناس، ورحمته وإحسانه ورأفته وبره وجوده، وموالاته لأوليائه وتحبُّبه إليهم وحنانه عليهم، وذكره لهم وصلاته عليهم  سلام أن يكون لحاجة منه إليهم أو تعزُّز بهم أو تكثُّر بهم، وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كلامه المقدس بوجه من الوجوه(بدائع الفوائد ج2 ص 150).

وهو سبحانه سلام في صنْعه، سلام فيما يعطي سلام فيما يمنع، سلام فيما يحجب عن عباده؛ فحجبه ليس بُخلاً ولا قلة حاشاه سبحانه، وإنما هو محْض الحكمة التي يعلمها الله عز وجل، فإن من العباد من يَصلح له الغنى ومنهم من يصلح له الفقر، كما أن من عباده من تصلح له الصحة، ومنهم من يصلح له المرض، ومنهم من يصلح له حال آخر والله تبارك وتعالى أعلم بعباده وأحكم.

وقد جعل الله تعالى تحية المؤمنين بينهم السلام، كما قال سبحانه: (تحيتهم يوم يلقونها سلام)، وأمر الله سبحانه المؤمنين بإلقاء التحية، فقال: (فَإِذَا دَخلتم بيوًتا فَسلْمُوا عل أَنفسكُم )،  فيسلم المؤمن على نفسه؛ ويسلّم على إخوانه المؤمنين ويلقي عليهم هذه التحية، التي فيها إشارة مباشرة إلى اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، وهو السلام.

اللهم أنت السلام، ولا سلام إلا رضاك رباه، وكل أمر قضيت فباطنه خير وإن لم نكن عرفناه، فاللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام!

والحمد لله الذي تعرّف إلى عباده بهذه الأسماء وهذه الصفات. وألهمهم أن يذكروه ويشكروه ويتعرفوا إليه بها سبحانه وتعالى، ويتعبدوه بها نطقاً بحروفها وكلماتها وحفظاً لها وفهماً لمعانيها، وتوسلاً إلى الله تبارك وتعالى بها في الدعاء والتضرع، اللهم! أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام (مع الله، العودة، ص77، بتصرف).

 

المراجع:

  • مع الله الاسم الأعظم، سلمان العودة، ط5، مؤسسة الإسلام اليوم للنشر، السعودية، 2010م.
  • بدائع الفوائد، ابن القيم.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022