الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

من أسماء الله الحسنى اسم الله "العليم"
د. علي محمد الصلابي

اسم الله " العليم " من أعظم الأسماء التي تزيد القلب خشية وإجلالاً، وتُذكِّر الإنسان بعظمة الخالق وقدرته التي لا تُحد، وعلمه الذي لا يُحيط به أحد. فالله تعالى هو العليم بكل شيء، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن، ولو كان كيف يكون. علمه محيط بالظواهر والبواطن، بالسرائر والعلن، بالكليات والجزئيات، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

واسم "العليم" يُذكِّر الإنسان بأن الله تعالى هو المطلع على سرائره وعلانيته، فيجب عليه أن يراقب نفسه في كل حركة وسكنة، وأن يستحضر مراقبة الله له في كل لحظة. كما أن هذا الاسم يُبعِد الإنسان عن الغرور والاستكبار، لأنه يذكره بأن علمه محدود، وأن الله هو الذي يعلم كل شيء، وهو الذي يهدي إلى الصواب، فسبحان الله العليم، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو على كل شيء قدير.

معنى اسم العليم:

عندما نتدبّر اسم الله العليم نعلم أن العلم كلّه بجميع اعتباراته وجوهره لله تعالى، فهو يعلم الأمور المتأخرة، أزلاً وأبداً، ويعلم ظواهر الأشياء وبواطنها، غيبها وشهادتها، ما يعلم الخلق منه وما لا يعلمون، ويعلم تعالى الواجبات والمستحيلات والجائزات، ويعلم تعالى ما تحت الأرض السفلى ويعلم ما فوق السماوات العلى، ويعلم تعالى جزئيّات الأمور وخبايا الصدور، وخفايا ما وقع ويقع في أرجاء العالم وأنحاء المملكة؛ فهو الّذي أحاط علمه جميع الأشياء في كلّ الأوقات، ولا يعرِض تعالى لعلمه خفاء ولا نسيان؛ كقوله: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: 199] وورد اسمه العليم في القرآن 157 مرة؛ وفي هذا دليل على أهميته.

فالله عزّ وجلّ علمه شامل لكلّ شيء في السماوات والأرض، ولكلّ ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وعلمه بمفاتيح الغيب وما يحدث من صغير أو كبير في البر أو في البحر، وعلمه بمكنونات القلوب، وما تخفيه الصدور، وما توسوس به النّفوس، وعلمه بكلّ ما يقوله له العباد، ويعلمونه سراً وعلانية، وعلمه بما في الأرحام لكلّ أنثى، وعلمه سبحانه لكلّ الأشياء قبل وقوعها، وأنّ ذلك في كتاب، وله الحكمة البالغة في تقديرها. وعلمه سبحانه بأحوال عباده تقيّهم وفاجرهم، وغنيهم وفقيرهم، وغير ذلك من الفوارق. وذلك قبل أن يخلقهم ويكلفهم، وأنّ توفيقه لمن يشاء وخذلانه لمن يشاء إنّما يكون عن علمٍ بأحوال عباده، وعن حكمة بالغة، وعلمه سبحانه محيط، ودقيق بكلّ مناجاة بين اثنين فأكثر مهما أسروّا النّجوى، وعلمه شامل لما ينزل من الشرائع على رسله، وأنّه أعلم بما ينزل وبما يصلح لعباده، واختص الله عزّ وجلّ نفسه بعلوم الغيب (يوسف النبي الوزير، الصلابي، ص122).

يقول ابن القيم:

وَهُوَ العليمُ أَحَاطَ عِلْماً بِالَّذِي ** في الكونِ مِنْ سِرٍّ ومنْ إِعْلانِ

وبكلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ ** فهوَ المحيطُ وليسَ ذا نِسْيَانِ  

وكذاكَ يَعْلَمُ ما يَكُونُ غَداً وما ** قدْ كانَ والموجودَ في ذا الآنِ

وكذاكَ أَمْرٌ لمْ يَكُنْ لوْ كانَ كيـ ** فَ يكونُ ذاكَ الأمرُ ذا إِمْكَانِ

(القصيدة النونية (241).

وربنا جل شأنه هو العليم العالم بما كان وما يكون قبل كونه وربما يكون لما يكن بعد قبل أن يكون، أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإصرار والإعلان وبالواجبات والمستحيلات، لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان وهو على عرشه مستو، فوق كل الأنام، جلال العليم أنه تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فتم كل شيء فجاءت المقادير على وفق علمه دون تأخر أو تخلف أو تغير (أسماء الله الحسنى، مقدم، ص127).

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم " العليم  التوسل إلى الله بصفة العلم، روى النسائي في سننه من حديث السائب بن مالك قال: صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنه صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أُبي، غير أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء، ثم جاء فأخبر به القوم: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ»( سنن النسائي برقم 1305).

 

مراجع:

  • شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد علي القحطاني، السعودية، 1988
  • يوسف عليه السلام، علي الصلابي، ط1، دار الأصالة، إسطنبول، 2023م.
  • أسماء الله الحسنى معانيها وجلالها، ماهر مقدم، ط1، دار الآل والصحب، السعودية، 2010م.
  • سنن النسائي برقم 1305 وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي برقم 1238.

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022