الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

المفاضلة بين الملائكة والبشر

الحلقة: السابعة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ يونيو 2020

أولاً: المفاضلة بين الملائكة:
الملائكة متفاوتون في الفضل يفضل بعضهم بعضاً شأنهم في ذلك شأن سائر المخلوقات فأفضل الملائكة المقّربون منهم.ةيقول الحافظ ابن كثير في سياقه لأصناف الملائكة.ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم أشرفُ الملائكةِ مع حملةِ العرشِ وهم الملائكةُ المقرّبون كما قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} النساء: 172.
وأفضل المقربين رؤساءُ الملائكةِ الثلاثة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في دعائه الذي يفتتح به صلاته إذا قام من الليلِ حيث يقول «اللهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السماواتِ والأرضَ» الحديث.
يقول ابن القيم ذكرَ هؤلاءِ الثلاثة من الملائكة لكمالِ اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله وكم من مَلَكٍ غيرَهم في السماوات فلم يسمِّ إلا هؤلاء الثلاثة.
وقد اختُلِفَ في المفاضلة بين هؤلاء الثلاثة وقد اخترتُ أنَّ أفضلهم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل على حسب الترتيب في الحديث السابق.
ثانياً: جبريل أفضل الملائكة وأهم صفاته:
وجبريلُ أطيبُ الأرواحِ العلوية؛ وأزكاها وأطهرها وأشرفها، وهو السفير في كل خير وهدًى وإيمان وصلاح وقد أثنى الله سبحانه على عبده جبريل في القران أحسنَ الثناء ووصفه بأجمل الصفات فقال تعالى {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ *} {الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ *وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ *إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *} [التكوير 15 ـ 21[.
فهذا جبريلُ وصفه ربُّه بأنه رسوله وأنه كريم عنده وأنه ذو قوة ومكانة عنده وأنّه مطاعٌ في السماوات وأنّه أمينٌ على الوحي فمن كَرَمِهِ على ربِّه أنه أقربُ الملائكةِ إليه.
ومن قوته أنّه رفع مدائنَ قومِ لوطٍ على جناحه ثم قلبها عليهم فهو قويّ على تنفيذ ما يؤمر به غيرُ عاجزٍ عنه إذ تطيعُه أملاكُ السماوات فيما يأمرهم به عن الله تعالى.
وقد وصف الله تبارك وتعالى رسولَه جبريل عليه السلام بصفاتٍ في سورة التكوير بأنّه كريم قوي مكين عند الرب تعالى مطاع في السماوات أمين فهذه خمسُ صفاتٍ تتضمّن تزكية سند القران وأنّه سماع محمد من جبريل وسماع جبريل من رب العالمين فناهيك بهذا السند علواً وجلالةً قولُ الله سبحانه بنفسه وتزكيته.
الصفة الأولى: أنّ الرسول الذي جاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم كريمٌ وليس كما يقول أعداؤه إن الذي جاء به شيطان فإنّ الشيطان خبيثٌ مخبَّثٌ لئيم قبيحُ المنظر عديمُ الخير باطنه أقبحُ من ظاهره وظاهره أشنعُ من باطنه ليس فيه ولا عنده خير فهو أبعد شيءٍ عن الكرم.
والرسول الذي ألقَىَ القران إلى محمد صلى الله عليه وسلم كريمٌ جميل المنظر بهيُّ الصورة كثير الخير طيب مطيَّب معلم الطيبين وكل خير في الأرض من
هدًى وعلم ومعرفة وإيمان وبر فهو مما أجراه ربه على يده وهذا غاية الكرم الصوري والمعنوي.
الوصف الثاني: أنه ذو قوة كما قال تعالى في موضع اخر {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *} النجم: 5. وفي ذلك تنبيه على أمور:
أ ـ أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنو منه وأن ينالوا منه شيئاً وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه بل إذا راه الشيطان هرب منه ولم يقربه.
ب ـ أنه موالٍ لهذا الرسول الذي كذبتموه ومعاضد له وناصر كما قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ *} التحريم: 4. ومن كان هذا القويُّ وليَه ومن أنصارِه وأعوانه ومعلّمه فهو المهدي المنصور والله هاديه وناصره.
جـ أن من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليه جبريل ومن عادى ذا القوة والشدة تعرّض للهلاك.
د ـ أنه قادر على تنفيذ ما أمر به لقوته فلا يعجز عن ذلك مؤدٍ له كما أمر به لأمانته وهو القوي الأمين وأحدكم إذا انتدبَ غيرَه في أمر من الأمور لرسالة أو ولاية أو وكالة أو غيرها فإنّما ينتدِبُ لها القويَّ عليه الأمينَ على فعله وإن كان ذلك الأمر من أهم الأمور عنده انتدب له قوياً أميناً معظّماً ذا مكانةٍ عنده مطاعاً في الناس كما وصف الله عبده جبريل بهذه الصفات وهذا يدلُّ على عظمة شأن المرسِل والرسولِ والرسالةِ والمرسَل إليه حيث انتدب له الكريم القوي المكين عنده المطاع في الملأ الأعلى الأمين حق الأمين فإن الملوك لا ترسل في مهماتها إلا الأشراف ذوي الأقدار والرتب العالية.
الوصف الثالث: مكين عند ذي العرش وهو المذكور في قوله تعالى {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *} التكوير: 20. أي له مكانةٌ ووجاهة عنده وهو أقربُ الملائكة إليه وفي قوله تعالى إشارة إلى علوِّ منزلة {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} إذ كان قريباً من ذي العرش سبحانه.
الوصف الرابع: مطاع وقد أشار بهذا الوصف إلى أنَّ جنوده وأعوانه يطيعونه إذا ندبهم لنصر صاحبه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم وفيه إشارةٌ أيضاً إلى أنَّ هذا الذي يكذّبونه وتعادونه سيصيرُ مطاعاً في الأرض كما أنَّ جبريلَ مطاعٌ في السماء وأن كلا من الرسولين مطاع في محله وقومه وفيه تعظيم له بأنه بمنزلة الملوك المطاعين في قومهم فلم ينتدب لهذا الأمرَ العظيمَ الأمثل هذا الملك المطاع.
الوصف الخامس الأمانة وفي وصفه بالأمانة إشارةٌ إلى حفظه ما حمّله وأدائه له على وجهه.
الوصف السادس: جمال جبريل وبهاؤه قال تعالى واصفاً جبريل عليه السلام الذي يأتي بالوحي من عند الله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى *ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى *} {الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى *وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى *عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى *إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى *مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى *}[النجم 5 ـ 17[.
ثالثاً: المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر:
هذه المسألةُ ـ وهي المفاضلةُ بين الملائكة وبين صالحي البشر ـ محلُّ خلافٍ بين أهل العلم وكلٌّ منهم أدلى بدلوه فيما يحتجُّ به من النصوص ولكنَّ القولَ الراجحَ هو تفضيلُ صالحي البشر على الملائكة وذلك للأدلة الاتية:
1 ـ روى أبو يعلى الموصلي في كتابه «التفسير» بسنده عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال ما خلقَ الله خلقاً أكرمَ عليه من محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
2 ـ قوله تعالى قصاً عن إبليس فإنَّ هذا نصٌّ في تكريم ادم على إبليس إذ أمر بالسجود {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} وأنَّ السجودَ لآدم دليلٌ على تكريم الله له على من أمرهم بالسجود له.
3 ـ أن الله خلقه بيده والملائكة لم يخلقهم بيده بل بكلمته.
4 ـ قوله تعالى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} وفيها دليلٌ على الخليفة من وجهين:
أولها: أن الخليفة يفضل على من هو خليفة عليه وقد كان في الأرض ملائكة.
وثانيها: أن الملائكة طلبتْ منَ اللهِ تعالى أن يكونَ الاستخلافُ فيهم والخليفةُ منهم فلولا أنَّ الخلافة درجة عالية أعلى من درجاتهم لما طلبوها وغبطوا صاحبها.
5 ـ تفضيل ادم عليهم بالعلم حين سألهم الله عزّ وجلّ عن علم الأسماء فلم يجيبوه واعترفوا أنهم لا يعلمونها فأنبأهم ادم بذلك.
6 ـ قصة سجود الملائكة كلهم لآدم ولعن الممتنع عن السجود وهذا تشريفٌ وتكريم له.
7 ـ الاثار الكثيرة المروية عن السلف التي تفيدُ تفضيلَ صالحي البشر على الملائكة من غير نكيرٍ منهم لذلك ولم يخالِفْ أحدٌ منهم في ذلك إنّما ظهر الخلاف بعد تشتّتِ الأهواء بأهلها وتفرّقِ الأراء فقد كان ذلك كالمستقر عندهم.
8 ـ أحاديث المباهاة فإنّ الله يباهي ملائكته بعباده المؤمنين المتلبّسين بالطاعة كمباهته بأهل عرفة، ونحو ذلك.
9 ـ ما أعدّه الله لصالحي البشر يوم القيامة من خير عميم وفضل عظيم ونعيم مقيم وقرة عين لا تنقطع وتلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم نسأل الله أن يجعلنا منهم.
ولهذا كان أكثرُ الناسِ على تفضيلهم ـ أي صالحي البشر على الملائكة ـ لأن الملائكة عبادتهم بريئةٌ عن شوائب دواعي النفس والشهوات البشرية فهي صادرةٌ عن غيرِ معارضة ولا مانعٍ ولا عائقٍ وهي كالنّفَس للحي وأما عبادات البشر فمع منازعاتِ النفوسِ وقمعِ الشهواتِ ومخالفةِ دواعي الطبع فكانت أكملَ.

وخلاصةُ القول في هذه المسألة أن يقال إنَّ صالحي البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية. فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد أعدَّ لهم من الثواب والنعيم في دار الكرامة الشيءَ الكثير ممّا لم يذكره للملائكة الأبرار عليهم السلام، وقد انقطع عملُهم ولم يبقَ لهم إلا التمتع بما أنعم الله به عليهم وعمل الملائكة دائم لا ينقطع ولذلك يدخلون على المؤمنين ويسلمون عليهم.

وأما باعتبار البداية فإنَّ الملائكةَ أفضلُ لأنّهم جبلوا على طاعة الله قبل بني آدم وأطاعوا الله ولم يعصوه طرفةَ عينٍ وعبادتُهم أكثر بالجملة من عباداتِ البشرِ.
وبعدُ فإنَّ الخوضَ في هذه المسألة وطلبَ المفاضلة بين صالحي البشر والملائكة من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسانُ إلى فهمه والعلم به والله المستعان.
رابعاً: حقوق الملائكة على بني ادم:
1 ـ الإيمان بهم
الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان لا يتمُّ إيمانُ عبدٍ إلا بالإيمان بهم والقصدُ هو أنَّ الله عز وجل قد أوجبَ على بني إسرائيل الإقرار بوجود الملائكة وجعل هذا الإقرارَ ديناً يُسْأَل عنه الإنسانُ يوم القيامة وكلّما ازداد الإنسان معرفةً بأحوالهم ازداد إيماناً لأنه يتضمّن التصديقَ بالأخبار الواردة عن الله ورسله صلى الله عليه وسلم فيهم ولولا أهميةُ معرفة أحوالهم وصفاتهم وأعمالهم لما جعل الله سبحانه وتعالى الإيمانَ بهم الركن الثاني من أركان الإيمان.
2 ـ البعد عن الذنوب والمعاصي:
أعظم ما يؤذي الملائكة الذنوب والمعاصي والكفر والشرك ولذا فإنَّ أعظم ما يهدى للملائكة ويرضيهم أن يُخْلِصَ المرءُ دينهَ لربه ويتجنّبَ كلَّ ما يغضبه.
3 ـ البعد عما تكرهه الملائكة
جاءت أحاديثُ تنهى عن بعض ما يؤذي الملائكة ودلت أحاديثُ أخرى على أنَّ الملائكة لا تدخلُ البيوتَ التي فيها ما تكرهه فمن هذه الأمور التي تكرهها الملائكة والتي يجب علينا الابتعاد عنها حتى لا يفوتنا الخير بابتعاد الملائكة عنا:
أ ـ الصور والتماثيل
ب ـ تربية الكلاب في البيوت
جـ تعليق الجرس على الدواب
د ـ ترك الاغتسال عن الجنابة حتى يصبح ذلك عادة عند الإنسان
هـ التطيب بالخلوق وهو طيب مركب من زعفران وغيره وهو من الأطياب الخاصّة بالنساء وقد تقدّمتِ الأحاديثُ التي تنهى عن ذلك.
و ـ ومن ذلك أكل الثوم أو البصل والكراث أو ما شابهها من البقول ذات الرائحة الكريهة كما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أكلِ البصلِ والكّراث فبلغتنا الحاجةُ فأكلنا منها فقال «مَنْ أكلَ مِنْ هذِهِ الشجرةِ المنتنةِ فلا يقرَبنَّ مسجدَنا فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه الإنس».
ز ـ ومما نهينا عنه من أجل الملائكة البصاقُ عن اليمينِ في الصلاة، وقد جاء في علة النهي عن البصاق عن اليمين أنَّ على يمينَ المصلي ملكاً فلأجل إكرامه وعدم أذيته عن البصاق عن اليمين في أثناء الصلاة كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا قامَ أحدُكم فلا يبصقْ أمامَه فإنّما يناجِي اللهَ ما دامَ في مصلاّه ولا عن يمينه فإنَّ عن يمينهِ مَلَكاً وليبصقْ عن يسارِه أو تحَت قدميه فيدفِنْها».
4 ـ محبتهم وذكر فضائلهم:
وعلى المسلم أن يحبَّ جميعَ الملائكة فلا يفرق في ذلك بين ملك وملك لأنهم جميعاً عباد الله عاملين بأمره تاركين لنهيه وهم في هذا وحدة واحدة لا يختلفون ولا يفترقون.
فنحن نحبُّهم لأنهم عبيد لله لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ونحبّهم لأعمالهم العظيمة التي يقومون بها في السماوات والأرض.
ونحبهم لدعائهم لنا عند الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} {الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}[غافر 7 ـ 9. وقال تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا *} [الأحزاب 43. وقال تعالى {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلاَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *} [الشورى: 5[.
فهذه الأدعيةُ العظيمةُ من هؤلاء الملائكة الأخيار في ذاك المكان الشريف عند الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى وذلك مما يوجب علينا أن نكافئهم على فضلهم ودعائهم لنا بحبهم ودعاء الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء.
وقد كان النبيِّ صلى الله عليه وسلم يكافِىء مَنْ دعاه إلى طعامٍ بالدعاءِ له أن تصلي عليه الملائكةُ كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه في قصةٍ زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فلّما فرغ قال «أكلَ طعامَكم الأبرارُ وصلّتْ عليكم الملائكةُ وأفطرَ عندَكم الصائمون».
وكّلما تدبّر الإنسان أعمالهم التي يقومون بها ازداد حباً لهم وتعظيماً ولو لم يكن بهم إلا الإيمان بالله لوجبَ حبهم لإيمانهم فكيف وفيهم من الخصال العظيمةِ والخلالِ الشريفة ما تكفي كلُّ واحدةٍ منها لمحبتهم وذكر فضلهم.
فالواجبُ على المسلم أن يحبَّ أولياء الله ومنهم الملائكة الكرام وأن يعظّمهم وأن يتدبّر ما جاء في صفاتهم العظيمة في الكتاب والسنة وأن يعتقدَ فضلهم وأن يذكرهم بما هم أهله وأن يثني عليهم بما أثنى الله به عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يتشوّق إلى لقائهم في دار كرامته.
5 ـ عدم سبهم أو تنقصهم أو الاستهزاء بهم:
من حقوق الملائكة عليهم السلام علينا ذكرهم بالخير دائماً والبعد عن أيِّ كلامٍ فيه تنقُّصٌ لهم أو سبٌّ أو شتمٌ أو إظهار لعداوتهم فإنّ بُغْضَهم وعداوتهم كفرٌ بهم والكفر بهم كفر بالله عز وجل كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ *} {عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ *}[البقرة 97 ـ 98. وهذا وعيدٌ وذم لمعادي جبريل عليه السلام وإعلانٌ أنَّ عداوةَ البعض تقتضي عداوة الله لهم.

ولا شك أنّ ملائكة الله سبحانه وتعالى هم من أوليائه المقربين كما قال تعالى {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172.
وعداوةُ أوليائه من أعظم الذنوب التي توجب غضب الله وعداوته كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى مَنْ عادَى لي ولياً فقد اذنتهُ بالحربِ».

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022