رفع الحرج من أهم مقاصد القرآن الكريم
الحلقة: السادسة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ مايو 2020
إنّ من مقاصد القرآن الكريم رفع الحرج عن المكلفين، ووردت آيات كثيرة جداً تبيّن أن هذا الدين دين يسر، وأنّ الله قد رفع الحرج عن هذه الأمة فيما يشق عليها، حيث لم يكلّفها إلا وسعها، وسأبيّن أدلةَ التيسيرِ، ثم أدلة رفع الحرج، ثم أدلّة عدم التكليف بغير الوسع والطاقة.
1 ـ أدلة التيسير والتخفيف:
قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]. وقال عز وجل: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [الأعلى: 8]. وقال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5 ـ 6]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]. وقال تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]. هذه بعض الآيات التي تفيد التيسير على هذه الأمة، وقد ذكر المفسرون في تفسيرهم هذه الآيات؛ أنّ الله أراد لهذه الأمة اليسر، ولم يرد لها العسر.
2 ـ أدلة رفع الحرج:
من أقوى الأدلة على رفع الحرج قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً. وقال سبحانه: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. وقال سبحانه: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 91].
وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ [الأحزاب: 38]. وقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: 61].
وفي هذه الآيات دلالةٌ ظاهرةٌ على رفع الحرج عن هذه الأمة، وأنَّ الله لم يجعل في التشريع حرجاً، وبعض هذه الآيات وإن كانت خاصّةً في أحكام معينة، ولكننا نجدُ التعليل عاماً، فكأنَّ التخفيفَ ورفعَ الحرج في هذه الأحكام والفروض بإعادة الشيء إلى أصله، وهو رفع الحرج عن هذه الأمة، فكل شيء يؤدي إلى الحرج لسبب خاص أو عام فهو معفو عنه، رجوعاً إلى الأصل والقاعدة.
3 ـ أدلة عدم التكليف بما يضاد الوسع والطاقة:
قال سبحانه: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
وقال الله تعالى كما في الحديث الصحيح: «قد فعلت».
وكذلك قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: 286].
والوسع: ما يسعُ الإنسانَ فلا يعجزُ عنه، ولا يضيقُ عليه، ولا يحرج فيه، قال تعالى: أي: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ يحملها إلا ما تسعه وتطيقه ولا تعجز عنه، أو يحرجها دون مدى غاية الطاقة، فلا يكلّفها بما يتوقف حصوله على تمام صرف القدرة، فإنّ عامة أحكام الإسلام تقعُ في هذه الحدود، ففي طاقة الإنسان وقدرته الإتيان بأكثر من خمس صلوات، وصيام أكثر من شهر، ولكنَّ الله جلّت قدرتُه، ووسعت رحمتُه، أراد بهذه الأمة اليسرَ، ولم يرد بها العُسْرَ.
ومن الأدلّة على أنَّ التكليف بحدود الوسع والطاقة قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الأعراف: 42].
ويقولُ سبحانه: ﴿وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [المؤمنون: 62]. فسنة الله جارية على أنه لا يكلف النفوس إلاّ وسعها، وجاء التأكيد على هذه القاعدة عند ذكر بعض الأحكام الفرعية، فقال سبحانه: ﴿وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 232].
وكذلك قوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
وكذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: 152].
هذه هي الآيات التي وردت مبيّنةً أنَّ التكليف بحسب الوسع والطاقة، وتبيّن أن رفع الحرج من مقاصد القرآن الكريم.
يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب:
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf