الأحد

1446-12-19

|

2025-6-15

هل عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد بالخلافة!؟

د. علي محمد الصلابي

 

أجمع سلف الأمة وأهل السنّة، وجمهور الطوائف الأخرى على أن تولية الإمام واجبة على المسلمين شرعاً وعقلاً، واستدلوا بأمور: (الأول) إجماع الصحابة، وهو العمدة، حتى قدّموه على دفن النبيّ ﷺ. (الثاني): أنه لا يتم إلا به ما وجب من إقامة الحدود وسد الثغور ونحو ذلك مما يتعلق بحفظ النظام. (الثالث): أن فيه جلب منافع ودفع مضار لا تحصى، وذلك واجب إجماعاً. (الرابع): وجوب طاعته ومعرفته بالكتاب والسنة، وهو يقتضي وجوب حصوله وذلك بتوليته. ومعنى الأخير أن ما أجمعوا عليه من وجوب طاعته في المعروف شرعاً ووجوب معرفته بالكتاب والسنة وكونها من أهم شروطه يقتضي أن توليته واجب شرعاً (رضا، ص 18).

وقد قال أكثر أهل السنة والجماعة أن النبيّ ﷺ لم ينص نصّاً على إمامة أحد، وإنما كان ذلك منه على سبيل الإشارات، التي منها تدخل في الصريح والجلي، ومنها ما دون ذلك، وبعض أهل السنة يرى أن النبيّ ﷺ قد نص على خلافة أبي بكر، واستدلوا بكثير من الأحاديث (ابن تيمية، 1/486)، وبعض الأحاديث استدل بها كل طائفة على ما ذهبت إليه، فاتفقوا بالدليل واختلفوا بالمدلول. والحق أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ‌لم ‌يستخلف ‌أبا ‌بكر بعده صراحة، لكن إشاراته إلى ذلك كثيرة (لاشين، 2002، 7/420) كما سيأتي.

قال ابن عبد البر: واستخلفه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته من بعده، بما أظهر من ‌الدلائل ‌البينة على محبته فِي ذَلِكَ، وبالتعريض الَّذِي يقوم مقام التصريح، ولم يصرح بذلك لأنه لم يؤمر فِيهِ بشيء، وَكَانَ لا يصنع شيئا فِي دين الله إلا بوحي، والخلافة ركن من أركان الدّين (ابن عبد البر، 3/969).

‌وقال ابن تيمية: والتحقيق ‌في " ‌خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد: أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها؛ وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته. فهذه الأوجه الثلاثة: الخبر والأمر والإرشاد: ثابت من النبيّ صلى الله عليه وسلم. " فالأول " كقوله: رأيت كأني على قليب أنزع منها فأتى ابن أبي قحافة فنزع. ذنوبا أو ذنوبين.. الحديث، وكقوله: كأن ميزانا دلي من السماء إلى الأرض. فوزنت بالأمة فرجحت ثم وزن عمر.. الحديث.، وكقوله: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه النّاس من بعدي ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. فهذا إخبار منه بأن الله والمؤمنين: لا يعقدونها إلا لأبي بكر الذي هم بالنص عليه. وكقوله: أري الليلة رجل صالح كأن أبا بكر نيط برسول الله.. الحديث. وقوله: خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا. وأما " الأمر " فكقوله: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. وقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي. وقوله: للمرأة التي سألته إن لم أجدك؟ قال: فأتي أبا بكر. وقوله لأصحاب الصدقات: إذا لم تجدوه أعطوها لأبي بكر. ونحو ذلك والثالث تقديمه له في الصلاة وقوله: سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر. وغير ذلك من خصائصه ومزاياه. وهذه الوجوه الثلاثة الثابتة بالسنة دلّ عليها القرآن. " فالأول " في قوله: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم﴾ [النور: 55]. وقوله: ﴿فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾ [المائدة: 44]. وقوله: ﴿وسيجزي الله الشاكرين﴾ [آل عمران: 144] والثاني قوله: ﴿ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون﴾ [الفتح: 16]. والثالث كقوله: ﴿وسيجنبها الأتقى﴾ [الليل: 17]. وقوله: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ [التوبة: 100]. ونحو ذلك. فثبتت صحة خلافته ووجوب طاعته بالكتاب والسنة؛ والإجماع (ابن تيمية، 1997، 35/49).

قال ابن كثير: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عيناً لأحد من النّاس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة. ولكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذي لب وعقل إلى الصديق (ابن كثير، 1988، 5/250).

المراجع:

  1. رضا، محمد رشيد، الخلافة، دار الزهراء للإعلام العربي.
  2. ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم، منهاج السنة النبوية، جامعة الإمام محمد بن سعود، الطبعة الأولى، 1406ه.
  3. لاشين، موسى، (2002)، فتح المنعم بشرح صحيح مسلم، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2002م.
  4. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
  5. ابن تيمية، تقي الدين أحمد الحراني، (1997)، مجموع الفتاوى، دار الوفاء، مكتبة العبيكان، الطَّبعة الأولى 1418هـ 1997م.
  6. ابن كثير، أبو الفداء الحافظ الدمشقي، (1988)، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022