الأحد

1446-12-19

|

2025-6-15

ما المقصود بيوم التروية؟

د. علي محمد الصلابي

 

يُعرف يوم التروية شرعاً بأنه اليوم الثامن من شهر ذي الحجّة، وهو من أيّام الحجّ، وله اسمٌ آخر؛ وهو يوم النقلة. وسُمِّي بيوم التروية؛ لأنّ الحُجّاج كانوا يتزوّدون فيه من الماء؛ ليأخذوه معهم من مكّة إلى عرفات، أمّا تسميته بيوم النقلة؛ فذلك لأنّ الحُجّاج يرتحلون؛ أي ينتقلون فيه من مكّة إلى مِنى، وقد ذَكَر الإمام الحافظ ابن حجر أنّ يوم التروية سُمِّي بذلك؛ لأنّ الناس كانوا يَروون فيه أنفسهم من الماء، ويَروون فيه إِبِلهم؛ حيث إنّ الأماكن التي سينتقلون إليها خالية من الماء؛ إذ ليس فيها آبار ولا عيون ماء. (مجلة البحوث الإسلامية، ج69 ص 336)

أعمال يوم التروية:

يُسنُّ للحاجِّ في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة؛ وهو يوم التروية، أن يُحرِم للعمرة ثم للحجّ إن أراد التمتع، ويُحرم للحجِّ فقط إن كان مُفرداً، ثُمّ يذهب إلى منى ويُقيم فيها، ويُصلّي فيها الفروض الخمس قصراً بِلا جمع، ويُكثر من الأعمال الصالحة بِما فيها من ذكرٍ ودعاءٍ وتوبةٍ، كما يُسنّ له تعلُّم باقي أحكام مناسك الحج، ويغتسل الحاجّ في هذا اليوم، سواءً كان رجُلاً أو امرأة، وأمّا المرأة فتلبس ما تشاء من الثّياب، ما عدا النّقاب والقُفّازين، وتتطيّب بالطّيب الذي له عين من غير رائحة، ثُمّ بعد الغُسل ينوي الحاجّ فيقول: "لبيّك اللهم بِحجّةٍ"، ويبدأ بالتلبية قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك"، وتخفض المرأة صوتها بحيث لا تُسمع الرجال، ثُمّ ينتقل الحاجّ إلى مِنى قبل الزّوال، ومن السُّنة أن يُدرك وقت الظهر فيها، ويَقصُر الصلاة الرُباعيّة، ويقوم بالأعمال الصالحة من قراءة الوِرد والذكر وقيام الليل. (محمد عبد الغفار، ج 32ص 3-5)

وأهل مكة يُحرمون من مكة في اليوم الثامن، وأمّا القارن والمفرد فهم باقون على إحرامهم الأول، ويُستحبّ لهم التطيُّب والاغتسال، ثُمّ ينوي الحج ويُلبّي، وإن كان ناوياً الحجّ عن غيره فيقول: "لبيك اللهم حجاً عن فُلان" ويُسمّيه، ويستمر في التّلبية، ويتوجّه إلى منى قبل الزوال، لفعل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام: (فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ) [رواه مسلم، برقم: 1218]، فيقصُر الصلاة الرباعيّة وإن كان من أهل مكة؛ لعدم إخبار النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم بإتمام الصلاة، ويبقى في مِنى حتى طُلوع شمس يوم التاسع من شهر ذي الحجة؛ وهو يوم عرفة. (سعيد القحطاني، مناسك الحج والعمرة، ج1 ص418 - 420)

الإحرام في يوم التروية:

يحرم الحاج بالحج ظهراً أو ضحىً إذا كان متمتعاً، ويستحب له أيضاً التطيب والاغتسال، وارتداء ملابس الإحرام البيضاء، (محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، ج3 ص306)، ثم ينوي الحج ويقول: (لبيك حجاً)، ثم: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ).[رواه البخاري، برقم: 1549] ودليل ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم: (...فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ). [رواه مسلم، برقم: 128]

فضل يوم التروية:

يوم التروية أحد الأيّام الفضيلة؛ فهو من أيّام العَشر من ذي الحجّة، والتي أقسمَ الله -سبحانه وتعالى- بها في القرآن الكريم؛ لفَضلها وعَظمتها؛ فقال: (وَالْفَجْرِ** وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1 - 2]، وهو من الأيّام التي يَكثر فيها ذِكر الله تعالى، ويشمل ذِكر الله تعالى التكبير والتهليل، والتحميد والتسبيح.

كما أنّ العمل الصالح في هذه الأيّام أفضل أجراً من الجهاد في سبيل الله تعالى؛ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر فقالوا يا رسولَ اللَّهِ ولا الجِهادُ في سبيلِ الله؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ) [رواه الترمذي، برقم: 3501] (موفق الدين ابن قدامة، فضل يوم التروية وعرفة، ص3)

 

المراجع:

  • مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية.
  • محمد حسن عبد الغفار، دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار.
  • سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، 2010م، القصب: مركز الدعوة والإرشاد.
  • محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1)، ١٤٣٠ ه - 2009م، الناشر: بيت الأفكار الدولية.
  • موفق الدين ابن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، فضل يوم التروية وعرفة، ط1، 2004م.

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022