الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

الحرية من أهم مقاصد القرآن الكريم

الحلقة: الخامسة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1441 ه/ مايو 2020

من مقاصد القرآن الكريم: إبطالُ عبودية البشر للبشر، وتعميم الحرية لكل النـاس، ومن قواعد الفقه قول الفقهـاء: الشارعُ متشوِّفٌ للحرية، فذلك استقراؤهم من تصرفـات الشريعة؛ التي دلت على أنّ من أهم مقاصدها إبطال العبوديـة وتعميم الحريـة، ولكن دأبُ الشريعةِ في رعي المصالح المشتركة، وحفظ النظام العام، وقفَ بها عن إبطال العبودية بوجه عام، وتعويضها بالحرية، وإطلاق العبيد من ربقـة العبوديـة، وإبطال أسباب تجدّد العبودية، مع أنّ ذلك يخدم مقصدَها، كان ذلك التوقف من أجل أنَّ نظامَ المجتمعات في كل قطر قائمٌ على نظام الرق، فكان العبيدُ عمّال في الحقول، وخدم في المنازل والغروس، ورعاة للأنعام، وكانت الإماء حلائل لسادتهن، وخادمـات في منازلهم، وحاضنات لأبنائهم، فكان الرقيقُ لذلك من أكبر الجماعات التي أقيمَ عليها النظام العائلي والاقتصادي والاجتماعي لدى الأمم حين طرقتهم دعوة الإسلام، فلو جاء الإسلام بقلب ذلك النظام رأساً على عقب؛ لانفرط عقدُ نظام المدينة انفراطاً تعسر معه عودة انتظامه، فهذا موجب إحجام الشريعة عن إبطال الرق الموجود، وأما إحجامها عن إبطـال تجدد سبب الاسترقـاق الذي هو الأسر في الحروب، فلأن الأمم التي سبقت ظهور الإسلام قد تمتعت باسترقاق من وقع في أسرها، وخضع إلى قوتها، وكان من أكبر مقاصد سيـاسة الإسلام إيقـاف غلواء تلك الأمم، والانتصاف للضعفاء من الأقوياء، وذلك ببسط جناح سلطة الإسلام على العالم، وبانتشار اتباعه في الأقطار، فلو أن الأمم التي استقرت لها سيادة العالم من قبلُ أمنت عواقب الحروب الإسلامية ـ وأخطر تلك العواقب في نفوس الأمم السائدة الأسر والاستعباد والسبيُ ـ لما ترددت الأمم من العرب وغيرهم في التصميم على رفض إجابة الدعوة الإسلامية اتكالاً على الكثرة والقوة، وأمناً من وصمة الأسر والاستعباد، كما قال صفوان بن أمية في مثله: لأن تربُّني قريشٌ خيرٌ من أن تربُّني هوازن.
وكما قال النابغة:
حذاراً على أن لا تُنالَ مقادتي
ولا نسوتي حتى يَمُتْنَ حرائرا

فنظر الإسلامُ إلى طريقٍ بين مقصدي: نشر الحرية وحفظ نظام العالم، بأن سلَّط عوامل الحرية على عوامل العبودية مقاومة لها لتقليلها، وعلاجاً للباقي منها، وذلك بإبطال أسباب كثيرة من أسباب الاسترقاق، وقصره على سبب الأسر خاصة، فأبطل الاسترقاق الاختياري، وهو بيع المرء نفسه، أو بيع كبير العائلة بعضَ أبنائها، وقد كان ذلك شائعاً في الشرائع، وأبطل الاسترقاق لأجل الجناية، بأن يُحْكَمَ على الجاني ببقائه عبداً للمجني عليه، وقد حكى القرآن عن حالة مصر: ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ [يوسف: 75]. وقال: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: 76].
وأبطل الاسترقاقَ في الدَّين الذي كان شرعاً للرومان، وكان أيضاً من شريعة سولون في اليونان من قبلُ، وأبطل الاسترقاقَ في الفتن والحروب الداخلية الواقعة بين المسلمين، وأبطل استرقاق السائبة، كما استرقت السيارةُ يوسف عليه السلام إذ وجدوه.
ثم إن الإسلام التفت إلى علاج الرق الموجود، والذي سيوجد، بروافع ترفعُ ضرر الرق، وذلك بتقليله عن طريق تكثير أسباب رفعه، وبتخفيف اثار حالته، وذلك بتعديل تصرف المالكين في عبيدهم الذي كان مالكه معنتاً.
ومن منافذ الحرية للأرقاء التي فتحها الإسلام:
1 ـ جعل الإسلام تحرير الأرقاء قربة إلى الله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴾ [البلد: 12].
2 ـ كفارة يمين الحانث: إطعام عشرة مساكين، أو تحرير رقبة.
3 ـ كفارة الظهار لمن أراد أن يرجع زوجته بدايتُه تحرير رقبة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 3].
4 ـ من أفطر في نهار رمضان: فعليه كفارة، منها تحرير رقبة.
5 ـ ملك اليمين إذا أنجبت من سيدها، تسمّى «أم ولد»، فإذا مات سيدها قبلَها صارتْ حرةً.
6 ـ المكاتبة: أن يتفق العبدُ مع سيده على مبلغٍ من المال يدفعه، أو يقوم بعمل يصيرُ بعده حراً، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33].
7 ـ العبد الذي يملكه اثنان أو جماعة، فإذا حرَّرَ واحدٌ منهم نصيبه، امتنع أن يباع العبد.
8 ـ تحرير الأرقاء مصرف من مصارف الزكاة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
لقد انقرض الرق أمام أبواب الحرية التي فتحها الإسلام، ولم يكن الإسلام أول من أباح الرق، بل كان أول من حرر الأرقاء بأسلوب منطقي، بأسلوب الترغيب تارة وبأسلوب الترهيب تارة أخرى عن طريق الكفارات، كما رأينا.
لقد قتل الإسلام مشاعر الإحساس بالعبودية، بأن ترفّع عن نداء العبد بكلمة عبدي، وإنّما بأسلوبٍ أرقى، وهو كلمة: غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقولنّ أحدُكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي، ولا يقل أحدكم: ربِّي، وليقل سيدي».
وقد نهى النبيًّ صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الخدمة، ففي الحديث: «لا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه فليعنه»، والأمر بكفاية مؤنتهم وكسوتهم، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عبيدكم خَوَلكم، إنما هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جُعِلَ أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس» ونهى عن ضربهم الضرب الخارج عن الحد اللازم، فإذا مثّل الرجل بعبده عتق عليه.
فمن استقراء هذه التصرّفات ونحوها حصل لنا بأنَّ الشريعةَ قاصدةٌ بثَّ الحرية، والقضاءَ على العبودية للمخلوق.
والقرآن الكريم من مقاصده تركُ الخيار للناس كافة في اختيار المعتقَدِ بعد تبيّن الرشد من الغي، وتترك لهم كذلك حرية التفكير، وحرية التعبير. وإليك الشرح:
1 ـ حرية الاعتقاد:
أسس الإسلام حرية الاعتقاد لإبطال المعتقدات الضالّة التي أّكْرَهَ دعاةُ الضلالة أتباعهم ومريديهم على اعتقادها من دون فهم ولا هدًى، ولا كتاب منير،
وبالدعاء إلى إقامة البراهين على العقيدة الحقة، ثم بالأمر بحسن مجادلة المخالفين وردّهم إلى الحق بالكلمة والموعظة، وأحسن الجدل، ثم بنفي الإكراه في الدين، قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].
ولو أراد الخالقُ جلّت قدرتُه لدخلَ جميعُ مَنْ على الأرض من الناس في دينِ الإسلام، ولكنْ له حكمةٌ في إعطاء الناس الحرية فيما يختارون وما يسلكون من طريق، حيث قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99].
ولا شك أنَّ الإنسان بما وهبه الله من عقل وسمع وبصر قادرٌ على التمييز بين الحق والباطل، حتى يستطيعَ اختيارَ الطريق الصحيح، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ۝ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[الإنسان: 2 ـ 3].
وتتكرّرُ الآيات القرآنية في أكثر من سورةٍ حول حريةِ الاعتقاد، وعدم إجبار مَنْ لم يقتنع بالإسلام على اعتناقه، فيخاطِبُ الله تبارك وتعالى نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم قائلاً: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ﴾ [الشورى: 48]. وقال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21 ـ 22]. وقال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].
والدين الإسلامي الحنيف ليس دينَ قمعٍ وإكراهٍ، بل دينُ يسرٍ، يقوم على مبدأ وسائل الإقناع، والتزام جادّة العقل من خلال منهج الحوار البنَّاء، والتعبير الحر، والجدال الموضوعي المنطقي في النقاش، البعيد عن المهاترات وإثارة الفتن، والشريعةُ الإسلامية تشدّد وتؤكد على قدسية هذا المنهج؛ لذا نجد أنّ الخالق يأمرُ رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يدعوَ الناس إلى دين الإسلام بالحكمة، ويخاطبه قائلاً: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
وفي مجادلة أهل الكتاب يقول تعالى مخاطباً المؤمنين: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46].
2 ـ حرية التعبير «الأقوال»:
فهي التصريحُ بالرأي والاعتقادِ في منطقةِ الإذن الشرعي، وقد أمر الله ببعضها في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 110]. وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71]. وقال تعالى: ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
وقد جاء التوجيه القرآني الكريم بالتزام القول الحسن، وترك ما عداه ممّا لا فائدةَ منه، أو ممّا فيه مضرةٌ في الدين، أو في العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع المسلم.
وقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ضوابط الكلام وادابه تحديداً دقيقاً وواضحاً، نجمل شيئاً منه فيما يلي:
1 ـ الضوابط المتعلقة باللفظ في مثل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104].
2 ـ الضوابط المتعلقة بالمضمون في مثل قوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].
3 ـ الضوابط المتعلقة بالهدف والأسلوب في مثل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 70].
4 ـ الضوابط المتعلقـة بـالتوقف والتثبت من المصدر في مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 83]. والايـة الأخيرة: إنكـارٌ على من يبـادرُ إلى الأمور قبل تحقُّقهـا، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا تكونُ لها صحةٌ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبـاً أن يحدث بكل مـا سمع»، وعن المغيرة بن شعبة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن قيل وقال»، أي: الذي يكثر من الحديثِ عمّا يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين.
5 ـ كما حرّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والسب والشتم والقذف في أدلة ظاهرة معلومة من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
3 ـ حرية الفكر:
لم يترك القرآن الكريمُ أسلوباً نفسياً أو واقعياً إلا واتبعه من أجل حثِّ الإنسان على التفكير، واستعمال عقله بصورةٍ واضحةٍ جلية، وإليك أخي القارئ الكريم البيان:
أ ـ طلب القرآن الكريمُ من الناس أن يستعملوا عقولهم، ويفكروا، ولنستمع لهذه الآيات في الإيمان ورسوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ: 46].
وفي تفسير طبيعة الرسالة وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم يقول تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50].
وفي لفت النظر إلى أسرار التشريعات المختلفة عبادية أو اجتماعية، يقول تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾[البقرة: 219].
وفي إشعار الإنسان بأنّ هذا الكونَ كلَّه خُلِقَ لارتفاقه، ويُسِّرَ برُّه وبحرُه وعلوُّه وسفلُه له، يقول تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].
ب ـ طلب القرآن الكريم من البشر أن يستعملوا عقولهم فيما تراه عيونهم ببساطة من ظواهر يومية، ويفكروا فيها، وفي سبب وكيفية وجودها، وذلك حتى يعرفوا أنّ هنالك سبباً، وهناك علاقة بين كل ما يتضمنه هذا الكون؛ الذي تمَّ ترتيبه بإحكام ودقة، وفي النظر في السماوات وما حوته، وفي الأرض وما عليها، يقول تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [يونس: 101].
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً﴾ [الروم: 8].
وقال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾[الغاشية: 17 ـ 20].
وفي النظر في أصل نشأة الإنسان وخَلْقِه يقول تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ۝ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ۝ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾ [الطارق: 5 ـ 7]. وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77].
ج ـ وحتى يحفّز القرآن الكريم العقلَ الإنسانيَّ للتفكر هاجمَ الذين يلغون عقولهم وتفكيرهم، ونعى عليهم هذه الطريقة في الحياة التي تجعلُهم كالدواب، ذلك أنَّ العقل الإنساني وملكة التفكير هي التي تميّزُ الإنسان من الحيوان، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّيُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
د ـ نبه القرآن الكريم إلى العوائق الواقعية التي تعطّل التفكير، وطلب إزالتها حتى لا تقفَ بوجه العقل الإنساني، والتفكير الصحيح، فرفض التبعية الفكرية، والإيحاء الفكري المتوارث عائلياً واجتماعياً، فأكد بذلك شخصية كل فرد، واستقلاليته الفكرية. قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170]. وقال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22 ـ 23].
فالمترفون عادةً لا يريدون التفكير في الأسس الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية، لأنّهم طبقة مستفيدة من الوضع القائم، فهي لا تريدُ حتى التفكير في وضع جديد.
كما نبّه القرآن الكريم إلى عائق اخر ذي تأثير عملي، ألا وهو الطاعة العمياء بلا فكر لأصحاب الجاه والسلطان، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ﴾ [الأحزاب: 67].
هـ واستعمل القرآن الكريم أسلوب المقارنة الفكرية بين الشيء وضده لينشِّطَ العملية الفكرية، وليخلق ملكةَ المقارنةِ، ويطوّر المقدرة على التفكير بشكل صحيح، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ [الرعد: 16].
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طِيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ۝ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ۝ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [إبراهيم: 24 ـ 26].
و ـ وأفرد القرآن الكريم مكانةً خاصةً للذين يفكّرون ويتعمّقون في التفكير، ويصبح تفكيرُهم علماً نافعاً للإنسان في هذه الحياة، وميّزهم، عن غيرهم وما ذلك إلا مرحلة أخرى متقدّمة من كيفية طلب التفكير وضرورته، واحترام العقل الإنساني، ودفعه نحو أرقى مراحل العلم، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].
وبهذا يكون المنهجُ القرآنيُّ وضع حرية التفكير في الاتجاه السليم والمنطق الصحيح، فليس فيها أوهام وخرافات، وليس فيها جمودٌ ولا تقليد، وإنما هي دعوة لتكريم العقل الإنساني، وتحريره من ربقة البلادة والخمول، وتنبيهه إلى أداء مهمته في البحث والتفكير.
ولقد ظهرت حرية العلم والتعليم والتأليف والتفكير في أجمل مظهرٍ في القرون الثلاث الأولى من تاريخ الإسلام، إذ نشر العلماءُ فتاواهم ومذاهبهم وعلمهم، واحتجَّ كل فريق لرأيه، ولم يكن ذلك موجباً للمناوأة ولا للحزازات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى ما هو أفقه منه، ورب حامل فقه إلى ما ليس بفقيه».
وهذا هو المقامُ الذي تحقق فيه مالك بن أنس حين قال له الخليفة أبو جعفر المنصور: إني عزمتُ أن أكتب من كتابك «يعني الموطأ» نسخاً، ثم أبعثُ إلى كلِّ مصرٍ من الأمصار نسخةً، وامرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوها إلى غيرها.
فقال الإمام: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنَّ الناسَ قد سبقت لهم أقاويلُ، وسمعوا أحاديث، وأخذ كلُّ قوم بما سبق إليهم من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم وأن ردهم عن ذلك شديد، فدع الناسَ وما هم عليه.
4 ـ حرية التنقل:
كفل الإسلام حرّيةَ التنقل لكلِّ فردٍ حسبما يريدُ، سواء كان ذلك داخلَ حدودِ الدولة الإسلامية أم خارجها، ويمكن إجمالُ صور التنقل فيما يلي:
أ ـ التنقل لتحقيق نفع ديني ودنيوي:
وذلك مثل التنقل طلباً للرزق بالطرق المشروعة، من تجارةٍ وغيرها، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
ومثل التنقل طلباً للعلم، قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].
ومثل السفر بقصد زيارة الأرحام والإخوان في الله، وبقصد زيارة البقاع الشريفة كمكة والمدينة، ومثل السفر بقصد الترويح عن النفس على الوجه المشروع، فالسيـاحـةُ مباحة، لأنها تفتح العينَ والقلبَ على المشاهدة الجديدة التي لم تألفها العينُ، ولا يملَّها القلبُ، بل قد تكون السياحةُ مندوباً إليها، إذا كانت على سبيل التدبر والاعتبار، ومعرفة سنن الله تعالى في الأمم السالفة، قـال الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11].
ب ـ التنقل لأداء واجب ديني:
كالسفر لأداء فريضة الحج، أو الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]. وقال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41].
وهذا خطاب للمؤمنين، وعقب ذلك أنزل الله تعالى في شأن المنافقين قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [التوبة: 42]، أي: لو كان ما دعوتهم إليه من الخروج في سبيل الله سفراً وسطاً، ومتاعاً من الدنيا سَهْلَ المأخذ، لاتّبعوك، وخرجوا معك طلباً للغنيمة.
جـ الهجرة حفاظاً على سلامة العقيدة:
أوجب الإسلام الهجرة على كل مسلم تعرّضَ للذل أو المهانة، أو خاف أن يفتن في دينه، ووصف الذين يتقاعسون عن الهجرة، مع استطاعتهم لها؛ بأنهم من الظالمين لأنفسهم، ولم يستثن من ذلك إلا الفئة العاجزة فعلاً عن الهجرة من كبار السن والنساء والولدان، وقد قال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۝ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 97 ـ 98].
إنَّ الإسلام اعتنى بالحرية بأنواعها، وقدّرها حقّ قدرها، سواء حرية الاعتقاد، أو حرية التعبير، أو حرية الفكر، أو حرية التنقل، وجعل الحرية مقصداً من مقاصده.

يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب:
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022