الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

النفخ في الصور

الحلقة: السابعة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020


أولاً ـ ما هو الصور؟
عرّف النبي (ﷺ) الصُّور ـ كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابيُّ إلى النبي (ﷺ) قال: ما الصورُ؟ ـ قال: « الصُّوْرُ قرنٌ يُنْفَخُ فيه» قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ *﴾ [النمل: 87] .وقد سمّاه الله تعالى أيضاً الناقور، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ *﴾ [المدثر: 8] والناقور هو الصور، فالصور والناقور اسمان لمسمًى واحد .
ثانياً ـ أسماء الصوت الذي يخرج من الصور:
وقد سمّى الله تعالى الصوتَ الذي يخرجه إسرافيل من الصور بأسماء هي :
1 ـ النفخة: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ *﴾ [الحاقة: 13] .
2 ـ الصيحة: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ *﴾ [يـس: 49] .
3 ـ الراجفة: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ *﴾ [النازعات: 6 ـ 7] .
4 ـ الزجرة: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *﴾ [النازعات: 13] .
فإسرافيل ينفخُ نفخةً، وزجرةً، وهي النفخةُ بغضبٍ تُحْدِثُ صيحةً عظيمةً ترجُفُ لها الأرضُ والقلوبُ.
ثالثاً ـ عددُ النفخاتِ:
اختلف العلماء في عدد النفخات على أقوال :
القول الأول: أنها ثلاثُ نفخاتٍ، وذلك أنّ الله نصَّ على هـذه الثلاث في كتابه وهي :
1 ـ نفخة الفزع:
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ *﴾ [النمل: 87] .
2 ـ نفخة الصعق:
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: 68] .
3 ـ نفخة البعث:
قال تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *﴾ [الزمر: 68] .
وقالوا: إن الفزع مغايِرُ للصعقِ، واستدلوا بحديثِ الصور الطويل، وفيه أنَّ النفخاتِ ثلاثٌ .
القول الثاني: أنّهما نفختان: (نفخة الصعق) و(نفخة البعث)، وقالوا: هـذا هو ظاهِرُ النصوص: كقوله تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ *فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ *قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *﴾ [يـس: 49 ـ 52] .
وقوله: هـذه هي النفخةُ ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ﴾ . وقوله: هـذه هي النفخةُ الثانية وكقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ *﴾ [النازعات: 6 ـ 7] هما النفختان الأولى والثانية .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ (ﷺ) قال: « بينَ النفختينِ أربعونٌ».
قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً، قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة، قال: أبيت، قالوا: أربعون شهراً، قال: أبيت، « ويبلَى كلُّ شيءٍ من الإنسانِ إلاّ عُجْبُ ذَنَبِهِ، فيه يركَّبُ الخَلْقُ ».
ويمكِنُ الجمعُ بين الفزع والصعق، وجعلهما نفخةً واحدةً، ولكنّها تبدأُ بالفزعِ، وتنتهي بالصَّعْقِ، مع وجودِ مسافةٍ زمنيةٍ تفصِلُ بين بدايتها ونهايتها، أي إنَّ الله يأمرُ إسرافيلَ بالنفخِ، فينفخُ نفخةَ إفزاعٍ يطوّلها ويمدّها لا يفترُ ( وهو ما يعني استمرار النفخ بلا انقطاع ) فيما الناسُ في العذابِ يشاهدون أحداثَ الزلزلةِ إلى أنْ يأمرَ اللهُ بنفخةِ الصَّعْقِ الأشدِّ قوةً وهولاً، فيموتُ لشدّتها كلُّ من في السمـوات والأرض إلا من شاء الله .
ومن هـذا الباب يمِكنُ الاستدلالُ على ذلك بقول الرسول (ﷺ): « يخرجُ الدجّالُ في أمتي، فيمكثُ أربعينَ ( ثم قال: ) وهم في ذلك دارٌّ رزقُهم، حَسَنٌ عيشُهم، ثم ينفخُ في الصورِ، فلا يسمعُه أحدٌ إلا أصغى لِيْتاً، ورفع لِيْتاً، قال: وأول من يسمعُه رجلٌ يلوطُ حَوْضَ إبله، قال: فيُصعقُ ويُصعُقُ الناسُ» ، وأصغى في الحديث: يعني: أمال . ( والليت ) صفحةُ العنق، فهـذا التسمُّعُ والإصغاءُ يدلُّنا على أنَّ بدايةَ النفخةِ ليستْ كنهايتها في القوّة والشّدةِ، حتى إنّ الصوتَ لم يشمل كلَّ الناسِ عند بدايته، كما نجدُ في نص الحديث: « وأوّلُ مَنْ سمعُه رجلٌ يلوطُ حَوْضَ إبله » فلو كانت بدايتُها ( بالصعقة ) المميتة لماتَ الناسُ على أثرِها، ولما بقيت فسحةٌ لهـذا التسمُّعِ والإصغاء، وكأنّ الصوت يبدأُ رويداً، ثم يمضي في التدرّج الصاعدِ، إلى أن يملأ الكونَ دويّاً وإرعاداً، مصحوباً بالزلزلةِ العظيمةِ، وذلك التدرُّجُ في النفخِ والمدِّ والتطويل أدعى لتصعيدِ حِدَّةِ الخوف، وإيقاع الرهبةِ في نفوس شرار الخلق، الذي يعذّبهم الله في الدنيا بأحداثِ الساعة ما شاءَ له أن يعذِّبَهم، إلى أن يأمرَ بنفخةِ الصعق فيصعقون.
1 ـ انتظار إسرافيلَ الأمرَ بالنفخ في الصور: قال رسول الله (ﷺ): « إنّ طَرْفَ صاحبِ الصُّوْرِ منذ وُكِّلَ به مستعدٌّ ينظُرُ نحو العرشِ مخافةَ أن يؤمرَ قبل أن يرتدَّ إليه طرفُه، كأنَّ عينيه كوكبانِ دُرّيان ».
2 ـ كيف أنعمُ وقد التقمَ صاحِبُ القرنِ القرنَ؟ قال رسول الله (ﷺ): « كيف أنعمُ وقد التقمَ صاحبُ القَرْنِ القرنَ، وحَنَى جبهتَهُ، وأَصْغَى سَمْعَهُ ينتظِرُ أن يؤمرَ أن ينفخَ، فينفخَ »؟! . قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: « قولوا حسبُنا الله ونعمَ الوكيل، توكلنا على الله ربنا ».
3 ـ اليومُ الذي تكون فيه النفخة: قال رسول الله (ﷺ): « إنَّ مِنْ أفضلِ أيّامِكُم يومَ الجمعةِ، فيه خُلِقَ ادمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاةِ فيه، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ، إنّ الله حرّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ » .
4 ـ مَنِ الذين استثناهم الله من الفزع والصعق؟ قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *﴾ [الزمر: 68] .
ذهب طائفةٌ من العلماء إلى أنّ الذين استثناهم الله في قوله: هم ﴿إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، ومنهم من قال: إنّهم الأنبياءُ أو الشهداءُ أو الحُور العين ... إلخ. والصحيحُ أنّه لم يردْ نصُّ صريحٌ في كتاب الله أو في سُنَّةِ رسولِه (ﷺ) يحدّد لنا من الذين استثناهم الله في تلك الآية، وبذلك لا يمكُننا أن نجزمَ بذلك، وصار مثل العلم بوقتِ الساعةِ، وأمثال ذلك ممّا لم يخبرِ الله به .
رابعاً ـ الآيات التي يقصد بها النفخة الأولى:
1 ـ قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ *﴾ [النمل: 87] .
2 ـ وقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: 68] .
3 ـ وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ *﴾ [ص: 15] .
4 ـ وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *﴾ [النازعات: 13] .
5 ـ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *﴾ [النازعات: 6] .
خامساً ـ الآيات التي يقصد بها النفخة الثانية:
1 ـ قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ *﴾ [الصافات: 19] هي عبارة عن النفخة الثانية في الصور .
2 ـ وقال تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا *﴾ [الكهف: 99] .
3 ـ وقال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ*﴾ [يـس: 51] .
4 ـ وقال تعالى: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ*﴾ [يـس: 53] .
5 ـ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا *﴾ [النبأ: 18] .
6 ـ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا *﴾ [طـه: 102] .
7 ـ وقال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ*﴾ [المؤمنون: 101] . قال الشنقيطي: إنها الثانية .
8 ـ وقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ *﴾ [ق: 20] قال الشوكاني: وهـذه هي النفخةُ الآخرة للبعث[(274)] .
9 ـ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ *﴾ [ق: 42] .10 ـ وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ *﴾ [الحاقة: 13] لقوله بعدها: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ *﴾ [الحاقة: 15] .
سادساً: الآيات التي تحتمل الأمرين:
1 ـ قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ *وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ *﴾ [سبأ: 51 ـ 54] .
2 ـ وقال تعالى: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ *﴾ [الأنعام: 73] .
3 ـ وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ *﴾ [القمر: 6] قال القرطبي: الداعي هو إسرافيل عليه السلام، وعليه فتكونُ الدعوةُ هي النفخُ في الصور، والله تعالى أعلم وأحكم .


يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book173.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022