أسباب الضلال (2)
الحلقة: العشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ أبريل 2020م
1 ـ التقليد دون نظر أو فكر:
إن من أسباب الضلال عند الكافرين من الأولين والآخرين التقليد للآباء دون نظر أو فكر، قال تعالى:" وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ" (الزخرف: 23) . وقال تعالى:" أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" (إبراهيم: 9 ـ 10) .
لقد كانت حجة الكافرين بالله المعرضين عن الانتفاع بالآيات التي جاءهم بها الأنبياء، قولهم:" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" (الزخرف: 22) ، وهي مقولة تدعو إلى السخرية، فوق أنها متهافتة لا تستند إلى قوة إنها مجرد المحاكاة ومحض التقليد، بلا تدبر ولا تفكر ولا حجة ولا دليل، وهي صورة مزرية تشبه صورة القطيع حيث هو منساق ولا يسأل أين يمضي ولا يعرف معالم الطريق .
إنها: طبيعة الجمود العقلي الذي تطبعه الوثنيات في العقول، لا يفكر أصحابها فيما يعبد آباؤهم ما قيمته؟ وما حقيقته؟ وماذا يساوي في معرض النقد والتفكير ؟ ومن الأقوام التي حدثنا القرآن الكريم عنها، وكان من أسباب ضلالها تقليد الآباء: قوم نوح عليه السلام الذين قابلوا دعوة نبيهم بالرفض والجحود بدون دليل أو سند سوى أنهم لم يسمعوا بمثل دعوته في آبائهم الأولين وكأن الحجة والدليل هو ما سمعوه من آبائهم.
ـ قال تعالى:" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" (المؤمنون: 23 ـ 24) .
وقوم عاد يعجبون مما ليس منه عجب، وينكرون على نبيهم أن يأتيهم بعبادة الله الواحد، ونبذ عبادة الآلهة المتفرقة التي كان يعبدها آباؤهم الأولون فيسألون منكرين :" أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا" (الأعراف: 70) .
وبنفس العلة والحجة رفضت ثمود دعوة أخيهم ونبيهم صالح عليه السلام وجعلوا ما عليه آباءهم ـ سواء أكانوا سابقين أو حاضرين ـ حجة تمنعهم من الإيمان . قال تعالى:" إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ * قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ" (هود: 61 ـ 62) .
وكذلك نجد قوم إبراهيم يصرون على عبادة التماثيل التي لا تضر ولا تنفع ولا يجدون جواباً لسؤال نبيهم :" مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ" (الأنبياء: 52) ، إلا أن قالوا:" قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ" (الأنبياء: 53) ، هذا هو الجواب، وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد، في مقابلة حرية الإيمان وانطلاقه للنظر والتدبر، وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمتها الحقيقية لا التقليدية، فالإيمان بالله يحرر الإنسان من القدسات الوهمية التقليدية والوراثات المتحجرة التي لا تقوم على دليل .
وقوم شعيب يقولون لنبيهم :" قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ" (هود: 87) . وقابل فرعون وملؤه دعوة موسى عليه السلام بالتقليد الأعمى المزري الذي يسيطر على العقول فيجعلها لا تفكر، وعلى البصائر فيقفلها فلا يجعلها تنظر أو تعتبر:" قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ" (يونس: 78) .
وأما كفار قريش فقد قال تعالى حاكياً أقوالهم:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ" (المائدة: 104) . وقال تعالى:" أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" (الزخرف: 21 ـ 22) . وقال تعالى:" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ" (سبأ: 43) .
والقرآن الكريم وهو يدعو إلى هذا التحرر والتفكير يسوق الأدلة والآيات والحجج والبراهين التي تبرهن وتثبت أنه دين الله الذي فيه نجاة البشر جميعاً من الظلمات إلى النور . قال تعالى:" هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف: 203) . وقال تعالى:" كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 151) . فمن تدبرها وعقلها وصل إلى الحق واهتدى .
ومن هنا فقد كان سبيل المؤمنين المهتدين هو الاتباع عن بصيرة وبتدبر وتعقل ، كما قال موسى عليه السلام عندما سأله فرعون: قال تعالى:" قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى" (طه: 49 ـ 54) .
وكما قال يوسف عليه السلام متبعاً ملة آبائه ولكن عن بصيرة ويقين ، قال تعالى:" إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" (يوسف: 37 ـ 39) .
وهكذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:" قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ" (الأنعام: 161 ـ 164) . وقال تعالى:" ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَاكَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (النحل: 123) .
فاتباع الآباء واقتفاء آثار السابقين من الذين هداهم الله عن بينة ودليل هو سبيل الهداية، كما قال تعالى بعد أن ذكر أنبياء الله الذين هداهم من إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس، ولوطاً ومن آبائهم وذرياتهم.
قال تعالى:" أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" (الأنعام: 90) .
وأما اتباع الأبناء للآباء والأجداد وتقليدهم والتمسك بآرائهم، ومحاكاتهم في كل أقوالهم وأعمالهم من غير بينة ولا حجة ظناً منهم على الحق، دون النظر في أدلة من يدعوهم إلى الهدى، ويقيم الدلائل والبينات على صحة ما يدعوا إليه وهو الضلال، وهو سبيل الكافرين، وعلة الإعراض عن الإيمان بالله والسير على طريق الهدى الذي ارتضاه للناس .
2 ـ الشك والريبة:
ومن الأسباب التي يستحق بها بعض العباد الضلال: مرض القلوب وهو خروج القلب عن صحته، فإن صحته أن يكون عارفاً بالله، محباً له مؤثراً له على غيره، ومرض القلب هو شكه فمرض المنافقين هو مرض شك .
وقد جعل الله عز وجل ذلك سبباً في زيادة المرض في قلوبهم، وعدم إيمانهم، فالمرض ينشئ المرض، والإنحراف يبدأ يسيراً ثم ينفرج الزاوية في كل خطوة، سنة لا تتخلف . قال تعالى: "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ"(البقرة : 10) . وقال تعالى: "وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ" (التوبة : 124 ـ 125) . وقال تعالى: "كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ" (غافر : 34) .
وبين سبحانه وتعالى في آية أخرى أنه يعاقب المنافقين الذين لا يوفون بعهودهم مع الله عز وجل بنفاق مستمر في قلوبهم إلى يوم لقائهم، وهذا حسب سنته سبحانه وتعالى في تأثير الأعمال على النفوس، وأن العمل بما يقتضيه النفاق يمكن النفاق ويقويه القلب . قال تعالى: "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ" (التوبة : 75 ـ 77) .
ثم قال سبحانه وتعالى مبيناً أنه لا يهدي هؤلاء المنافقين، لأن سنته سبحانه وتعالى جرت في الممعنين في فسوقهم، وتمردهم المصرين على نفاقهم الذين أحاطت بهم خطاياهم أن يفقدوا الاستعداد للتوبة والإيمان والهداية ، قال تعالى: "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة : 80) .
3 ـ الجحود:
ومن الأسباب التي رتب الله عز وجل عليها الضلال حسب سنته سبحانه وتعالى في الهداية والضلال: الجحود والذي يعني الإنكار مع العلم . قال تعالى: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي مَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون" (الأحقاف : 26) . " إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ": بمنزلة التعليل لسلبه إياهم ما أنعم عليهم به من السمع والبصر والعقل، حتى وقعوا في الضلال . قال تعالى: "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ" (العنكبوت : 47) . وقال تعالى: "وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ" (العنكبوت : 48 ـ 49) . وقال تعالى: "وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ" (لقمان : 32) . والختار: الذي هو في غاية الغدر، والكفور: الذي لا يشكر نعمة الله، بل يجحدها .
ـ وقال تعالى: "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (هود : 59) . وقال تعالى: "وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ* فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (النمل : 12 ـ 14) . قال تعالى: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ" (الأنعام : 33) .
وإذا كان مصير الجاحدين بآيات الله في الدنيا الضلال والغواية فإن مصيرهم في الآخرة الحسرة والندم، إذ يكونون من أصحاب النار . قال تعالى: "وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" (الأعراف : 50 ـ 51) .
4 ـ التأبي والعناد والتعنت:
فالتأبي عن الإيمان، وعصيان أوامر الله يؤديان لصاحبهما إلى الضلال، قال تعالى: "وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى" (طه : 56) .
وأما العناد فحالة نفسية تدفع بصاحبها إلى التأبي عن الانصياع للحق على سبيل المكابرة دون أن تكون لديه مبررات بذلك، حتى ولو كانت مبررات زائفة أو باطلة . قال سبحانه وتعالى مبيناً أن العناد مانع عن الهدى وسبب في الضلال: "كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا" (المدثر : 16) .
وقال مبيناً على الضلال ومصوراً شدة عناد الضالين : "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ" (الحجر : 14 ـ 15) . وقال سبحانه وتعالى عنه: "وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ" (الأنعام : 7) ، وقد بلغ العناد من كفر قريش غايته، حين قالوا: "اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (الأنفال : 32) .
وأما مثال التعنت ما كان من كفار قريش عندما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية من ست آيات اقترحوها، ولو عقلوا لأدركوا أن في القرآن وفي الكون أضعافاً مضاعفة عن هذا العدد أو هذه الآيات التي طلبوها ، قال تعالى حاكياً قول كفار قريش: "وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً" (الإسراء : 90 ـ 93) .
5 ـ الكِبر:
من أسباب الضلال طبقاً لسنته سبحانه وتعالى في الهداية والإضلال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" . وقال النووي الكبر هو الارتفاع عن الناس واحتقارهم ودفع الحق .
وقد وردت الآيات في ذم الكبر والمتكبرين وهو سبب الضلال والإضلال . قال سبحانه وتعالى عن الكفار: "إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ" (الصافات : 35) ، أي : يتعظمون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون. وقال تعالى: "إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ" (النحل : 22) .
وقال عن ضلال اليهود بسبب كبرهم: "أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ"(البقرة : 87) .
وقال عن كبر كفار قريش وامتناعهم لذلك عن الإيمان، كسابقيهم: "وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا" (الفرقان : 21) .
وأما قوم نوح فقد وصفهم نبيهم عليه السلام كما حكى القرآن ذلك: "وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا" (نوح : 7) ، فقوله: " جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ" لئلا يسمعوا صوتي " وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ" أي: غطوا بها وجوههم لئلا يروني، وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي فيكون استغشاء الثياب على هذا النحو زيادة في سد الأذان . وقال تعالى: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (لقمان : 7) . وقال تعالى: " يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا" (الجاثية : 8) . وقال تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ" (المنافقون : 5) .
وإذا كان المتكبر يدفعه كبره ألا يسمع آيات الله، وإذا سمعها فلا ينظر فيها ولا يتدبرها، ولا ينقاد إلى ما تدعو إليه من الهدى، فإن ذلك يستتبع نتائجه في عقله وغيبه، وذلك بصرف الله إياه عن الإنتفاع بآياته سواء الكونية أو السمعية . قال تعالى: " سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ" (الأعراف : 146) .
ويعاقبه كذلك بالطبع على قلبه حتى يصير ذلك سجية وطبيعة، فهو تأثير لازم لا يفارقه ويغطي على قلبه ويستوثق منه فلا يدخله شئ من الهدى ، قال تعالى: " كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" (غافر : 35) .
6 ـ حب الدنيا والاغترار بها واتخاذها لهواً:
إن من أسباب الضلال شعور الإنسان إن هذه الحياة الدنيا مصادفة عمياء وأن الوجود بها ليس له هدف، قال سبحانه وتعالى رداً على من كان ذلك معتقدهم: " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون : 115) . وقال تعالى: " كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ"(القيامة : 20 ـ 21) . وقال الله عز وجل: " اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ" (إبراهيم : 2 ـ 3) . وقال تعالى: " فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" (النجم : 29) .
وقال تعالى: " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ" (يونس : 88) . وقال سبحانه وتعالى مسجلاً على الكافرين بسبب غرورهم بالدنيا: " ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا" (الجاثية : 35) .
ثم إن حبهم لهذه الدنيا يدفعهم إلى الإنغماس في شهواتها ومنها إلى حد الترف الذي من طبيعته، أنه يفسد الفطرة، ويغلظ المشاعر، ويسد المنافذ، ويفقد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتستجيب وتستجيب . فقال تعالى مبيناً أن المترفين اتبعوا ترفهم وكفروا بما أرسل به المرسلون: "فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ" (هود : 116) . وقال تعالى ذكره: " وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ" (سبأ : 34) .
تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب :
الإيمان بالقدر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book96.pdf