الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

إشراقات قرآنية: سورة المَسَد

الحلقة 176
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

محرم 1442 هــ / سبتمبر 2021

* تسمية السورة:
أشهر أسمائها: «سورة {تَبَّتْ}»، وهكذا هي في كثير من المصاحف، وكتب التفسير، وبعضهم يزيد فيسميها: «سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}».
وتسمَّى: «سورة المَسَد»، كما في طائفة أخرى من المصاحف وكتب التفسير.
و«سورة أبي لهب»، وهذا ذكره جمع من المفسرين.
 * عدد آياتها: خمس آيات، بلا خلاف.
 * وهي مكية باتفاق العلماء.
 * سبب نزولها:
جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء: 214]، ورهطَك منهم المخلَصين، خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: «يا صَبَاحاه!». فقالوا: مَن هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه، فقال: «يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطَّلب». فاجتمعوا إليه، فقال: «أرأيتَكم لو أخبرتُكم أن خيلًا تخرجُ بسَفْح هذا الجبل، أكنتم مصدِّقيَّ؟». قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا. قال: «فإني نَذِيرٌ لكم، بين يَدَيْ عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبًّا لك سائرَ اليوم، ألهذا جمعتنا؟! ثم قام، فنزلت هذه السورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}.
وهذا الحديث يرجِّح أن تكون السورة نزلت في السنة الرابعة من البعثة.
 * {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}:
التباب هو: الخسران، والهلاك، والخيبة.
وهذه الجملة مقابلة لقول أبي لهب للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك سائرَ اليوم، ألهذا جمعتنا».
ويحتمل أن يكون هذا على سبيل الدعاء من الله عز وجل عليه، وهذا أولى، وفي لغة العرب إذا تكلم الإنسان بكلام سوء أو فعل فِعل سوء قيل له ذلك.
فعبَّر بيديه؛ لأنه كان يرجم النبي صلى الله عليه وسلم بهما، أو أنه كان يعتقد أن يده هي الغالبة، وهي الطولى، فبيَّن سبحانه أن الأمر ليس كما يزعم، بل يده هي الفاجرة، وصفقته هي الخاسرة.
وقد يعبِّر باليد ويقصد المسمَّى كله، كما قال الله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10]، وكما قال سبحانه: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]، أي: بما كسبوا؛ لأن غالب ما يفعله الإنسان بيديه.
وأبو لهب هو: عبد العُزَّى بن عبد المطَّلب، ولم يذكر الله اسمه؛ لما فيه من النكارة والتعبيد لغير الله، والعُزَّى: اسم صنم في الجاهلية يعبدونه، كما بيَّنه الله تعالى في «سورة النجم».
يقال: إن له ولدًا اسمه: لهب، وهذا الولد ليس له ذكر في التاريخ، وقد يكون مات متقدمًا.
وقيل: كان يسمى بهذا في الجاهلية لتوهج وجنتيه، وتورد وجهه، فقد كان أبيض أحمر وضيئًا جميلًا، فكانت كلمة أبي لهب كلمة مدح تثني على وضاءته وجماله.
وقيل: لُقِّب بذلك؛ لشدة غضبه وسرعة انفعاله.
وجاءت الكنية متوافقة مع الوعيد، فهو يكنى أبا لهب، والله تعالى توعَّده بأنه سوف يَصْلَى نارًا ذات لهب، وبهذا تحولت من مدح إلى ذم.
والعرب يطلقون الأب على الوالد، وعلى الملازم للشيء، فيقولون: أبو هريرة، وأبو العينين، وأبو جعدة، وهو الذئب، وجعدة هي: السخلة، فليس هو أباها بالحنو عليها، لكن هو صاحبها الذي يتربص الغفلة منها، وهكذا يقال: «أبو مالك» للبحر، ويقال: «أبو مالك» للطائر الحزين، و«أبو أمامة» للفأر.


سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: 
http://alsallabi.com/books/7

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022