الجسد جزء منك، ولكنه ليس ملكًا لك
اقتباسات من كتاب "علمني أبي..مع آدم من الطين إلى الطين" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الخامسة
صفر 1444ه/ سبتمبر 2022م
الثقة بالنفس والصفاء والابتسامة العفوية الصادقة الدائمة تصنع بشاشة وطلاقة لا تصنعها المساحيق.
وقد لاحظ علي شريعتي أن المبالغة في التزين في طهران أكثر منها في باريس، وأن القرويات المستجدات كنَّ أكثر تكلفًا في الزينة.
وتشير دراسات إلى أن إنفاق النساء الخليجيات على الزينة من أعلى المعدلات في العالم، ولعلهن يردِّدن قول المتنبي:
مَا أَوْجُهُ الْحَضَرِ الْمـُسْتَحْسَنَاتِ بِهِ *** كَأوْجُهِ البَدَوِيَّاتِ الرَّعَابِيبِ
حُسْنُ الْحَضَارَةِ مَجْلُوبٌ بِتَطْرِيَةٍ *** وَفِي البَدَاوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلُوبِ
أَيْنَ الْـمَعِيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً *** وَغَيْرَ ناظِرَة فِي الْحُسْنِ وَالطِّيبِ
أَفْدِي ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا *** مَضْغَ الكَلَامَ وَلَا صَبْغَ الْحَوَاجِيبِ
وَلَا بَرَزْنَ مِنَ الْحَمَّامِ مَائِلَةً *** أَوْرَاكُهُنَّ صَقِيلَاتِ العَرَاقِيبِ
* الجسد جزء منك، ولكنه ليس ملكًا لك، هو رفيق، له حق الطريق، «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
العناية والتنظيف والتغذية الجيدة والرياضة والنوم والراحة بعض حقه عليك.
* تعذيب الجسد حرام، وهو أمانة، و«إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ».
سواء كان على سبيل التعبد والزهد، أو الرياضة.
وامتهان الجسد وتلطيخه، أو ترك استعمال الماء والمنظفات هو جَوْر آخر على الجسد، سواءً كان تعبُّدًا أو تذلُّلًا لبشر.
الحمية الشاقة تحت ذريعة طلب الرشاقة إذا جاوزت قدر الطاقة فهي تصرُّف في الجسد بغير ما أذن الله به.
* الحواس (السمع، البصر، الشم، الذوق، اللمس)؛ أدوات محايدة تجري فيها الأحكام الخمسة؛ يحرم الاستماع للفجور والفحش، ويكره الاستماع لما قد يضر من فضول القول الذي لا فائدة منه، ويباح سماع الأشياء العادية، ويستحب سماع الخير، ويجب الإنصات لسماع القرآن والفاتحة في الصلاة وخطبة الجمعة: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾...
* حواس بعض الأنبياء عليهم السلام قد تكون أقوى من حواس غيرهم؛ شم يعقوب عليه السلام ريح يوسف من بعيد، وسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم صوتًا في السماء، وأعطاه ربُّه العلم والحفظ فقال: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾.
قال حسان رضي الله عنه يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
خُلِقْتَ مُبَرّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ
القلب ملك الأعضاء وسيدها، والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد، وإن فسدت فسد الجسد.
المضغة المادية تضخ الدم وسلامتها سر العافية، والمضغة المعنوية سر الحياة، وطمأنينتها بالإيمان سبب الصلاح، وسلامتها من التحاقد والتحاسد سبب النجاح والفلاح.
* يبدأ الجسد ضعيفًا ويقوى ويشتد ثم يضعف ثم يموت وتفارقه الروح.
سنة الله في بني آدم، فالحضور الأقوى للروح، وهي الأكثر ديمومة من الجسد.
لا تسخر من ضعيف أو مريض أو معاق أو شيخ فهو أنت، وهو مثلك.
دخل عَمرو بن حُريث على الهيثم بن الأسود النَّخَعي يعوده ويزوره، فقال: كيف تجدك يا أبا العريان؟ قال: أجدني قد ابيضَّ منِّي ما كنتُ أحبُّ أن يسودَّ، واسودَّ مني ما كنتُ أحبُّ أن يبيضَّ، ولان مني ما كنتُ أحبُّ أن يشتدَّ، واشتدَّ مني ما كنتُ أحبُّ أن يلينَ، وأجدني يسبقني مَن بين يدي، ويدركني مَن خلفي، وأنسى الحديث، وأذكر القديم، وأنعس في الملأ، وأسهر في الخلاء، وإذا قمتُ قَرُبتِ الأرض مني، وإذا قعدتُ بعدت عني:
فاسْمَعْ أُنَبِّئْكَ بِآيَاتِ الكِبَرْ
تَقَارُبُ الخَطْوِ وَضَعْفٌ فِي البَصَرْ
وَقِلَّةُ الطَّعْمِ إِذَا الزَّادُ حَضَرْ
وَكَثْرَةُ النِّسْيَانِ مَا بِي مُدَّكَرْ
وَقِلَّةُ النَّوْمِ إِذَا اللَّيْلُ اعْتَكَرْ
أَوَّلُهُ نَوْمٌ وَثُلْثَاهُ سَهَرْ
وَحَذَرًا أَزْدَادُه إِلَى حَذَرْ
وَالنَّاسُ يَبْلُونَ كَمَا يَبْلَى الشَّجَرْ
مرَّ شيخٌ قد انحنى بفتى شاب، فقال له: أتبيع القوس يا شيخ؟ فقال له: إن كبرت أخذتها بلا ثمن.
قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: «مَن أخطأه سهم المنية قيَّده الهَرَم».
ومر شيخ كبير ببعض الغلمان، فقال له أحدُهم: مَن قيَّدك أيها الشيخ؟ قال: الذي هو دائب في فتل قيدك.
* من مخاطر التجربة في العلم الحديث العبث بالجينات البشرية ومحاولة خلطها مع جينات الحيوان.
«شيفرة آدم».. رواية خيال علمي للكاتب المصري (صلاح معاطي).
- التلاعب بالخلايا والجينات والدمج مع الحيوان ومع التقنية قد يضر بالحياة البشرية أو يكون الطريق إلى نهايتها.
فيلم (Transcendence) يتحدث عن الذكاء الاصطناعي، وكيف تم دمج مخ بشري في جهاز كمبيوتر للممثل جوني ديب.
* وجود العورة من تمام الخلقة السوية، وزوالها أو عيبها نقص وخلل، آدم وحواء عليهما السلام رأيا سوآتهما وأسرعا في سترها، كثرة النظر إلى العورة يكرِّس الجانب الجسدي المحض؛ ولذا يكره كشفها لغير حاجة، حتى لو كان خاليًا.
* المسيح عليه السلام لم يتزوَّج، ولذا افتقر التراث المسيحي للكثير من التفاصيل الجنسية، بينما محمد صلى الله عليه وسلم تزوج وأوصى وحثَّ؛ ولذا نُقلت لنا تفاصيل كثيرة عن حياته الزوجية الخاصة وأحكامها: «فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً».
في الشريعة الخاتمة توازن تحتاجه النفس والأسرة عن الجسد والمقدس.
في رواية (شيفرة دافنشي) لدان براون حديث عن زواج المسيح بمريم المجدلية، وكانت منحرفة الأخلاق، وإنجاب ذرية منها، لا زالت قائمة متناسلة مستخفية، تقوم على حراستها أسر معروفة في أوروبا.
وهذا تخيل درامي لا يلتزم بحقائق التاريخ، وإن كان المؤلِّف أصاب في تصوير المسيح على أنه نبي عظيم وقائد فذ وبشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
ولا غرابة أن يكون المسيح استثناءً من المرسلين الذين قال الله عنهم: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾، كما كان يحيى استثناءً حيث قال الله تعالى عنه: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، والحَصور هو المنقطع للعبادة المنصرف عن الملذَّات.
في حالة المسيح وحالة يحيى بن زكريا عليهم السلام لم يكن انصرافهم عن الزواج عن عجز ونقص في القدرة النفسية أو الجسدية، بل تفرغًا للعبادة والدعوة، وتقديرًا لمصلحة أعم وأعظم.
العلاقة بين الزوجين ليست جسدية بحتة، بل هي علاقة روحانية جسدية واعية، وليست مجرد غريزة كما الحيوان..
* في القرية يختلط الأطفال بمَن يكبرونهم دون رقيب، ويقومون بأنشطة تستدعي كشف أجسادهم كالسباحة في الآبار، وهي مرحلة استكشاف للجسد قد تصنع عادات سيئة أو تسبِّب احتكاكًا غير رشيد.
* البيئة البسيطة تعزف عن الجمال وتهتم بالضروري فحسب، كنا نستعيب أن يكون الثوب مكويًا، وأنيقًا، وقد يقول أحدنا: هذا شأن البنات.
أخيرًا تعلَّمنا بما يشبه الصدفة أن الله جميل يحب الجمال في الجسد، في الشعر، في الوجه، في اللباس، في الحذاء.
وتعلَّمنا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يضع الطيب على رأسه وجسده عند الإحرام، ليبقى أثره بعد ذلك.
وأنه صلى الله عليه وسلم على تواضعه كان أنيق الملبس؛ ولذا اشترى له عمرُ رضي الله عنه حلة الحرير، فنهاه، وإن كان قد أقرَّه على أصل التجمُّل.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب علمني أبي للشيخ سلمان العودة، صص 25-33
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: