السبت

1447-02-08

|

2025-8-2

(صورة الأم الجزائرية في شعر الثورة)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 305
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م
إن بطولة المرأة الجزائرية لا تنحصر في صورة المجاهدة فحسب، بل تتعدد في صور شتى مختلفة، وهذا بتعدد أداور المرأة الجزائرية في المجتمع خلال الكفاح المسلح. وبطولة المرأة الجزائرية برزت أيضاً في صورة الأم التي أثبتت للمستعمر شجاعتها أمام المحن، والمواقف الصعبة التي تجاوزتها بصبر وأناة.
ويتصدر هذه المواقف الصعبة التي عايشتها الأم الجزائرية إبان الثورة المسلحة، وسجلها شعر الثورة الجزائرية في صفحاته الخالدة ؛ موقف الأم في قصيدة محمد العيد المعنونة «من وحي الثورة والاستقلال»، وهي تودع ابنها الوحيد ليلتحق بصفوف الثورة وتلقي عليه النظرة الأخيرة ولا تعرف هل يعود أم لا، ولا يخفى ما في هذا الموقف من حزن وأسى وما يسببه من معاناة واضطراب نفسي للأم إثر فراق ابنها، فلنتأمل مشهد الوداع بين الأم وابنها المثير للأشجان وهي تقول له:
ولرب ثكلى من وراء وحيدا
صرخت ودمع العين يدمي المجمر
ايا ذخر عمري، يا حشاشة مهجتي
يا طيب عيشي يا غناي الأوفر
ايا أنس مأوى الحزين وأنسه
مأواي أوحش منذ غبت وأقفر
ايا برء قلبي هل تؤوب فأشتفي
يا نور عيني هل غبت فأبصر
ادنياي مظلمة إلى يوم اللقاء
وحشاي مضرمة إلى أن تظهرا
إني أحس من الأسى كبدي انمحت
ونياط قلبي من نواك تبتر
اأتكون حياً يا ترى؟ فيجيبها
رجع الصدى «أتكون حياً يا ترى؟» (1)
نوفي الشمال القسنطيني في سنة 1955م، حين أحضر أحد الضباط الفرنسيين جثة ابنها الذي استشهد في غارة جوية وطلب من الحاضرين التعرف على هويته، فتقدمت الأم، وانحنت في جلال على ابنها الشهيد ثم أطلقت في الفضاء زغرودة أدهشت الحاضرين، وزادت دهشة الضابط الفرنسي، عندما قالت له الأم بكل اعتزاز: أنا فخورة بابني لأنه مات من أجل بلاده ولمثل هذا أعددته.(2)
وقد قالت الشاعرة العراقية امال الزهاوي تصف في أثر الأم على المجاهدين في ساحات الوغى في قصيدتها «نداء الأم»، مهداة إلى المجاهدين الجزائريين حيث تقول:
ونداء أمي صارخاً أقوى من المتفجِّرات
أقدم بُنيَّ على العدو كعاصفات صارخات
فبقُرب ضِيقك دائماً أخواتك المتذمرات
يشددن عزمك للتحرر من ليال حالكات
صرخاتُهن بوجه خصمك بالغناء مزمجرات
أصواتهن بجنب صوتك بالعدو مندِّدات
يرقبن أيام الكفاح بأعيُنٍ متطلعات
ينشدن فجر الانتصار بأنفسٍ متلهفات(3)
إلى إن قالت:
أمَّاه صوتك لا يزال له بأعماقي رنين
فهو الضياء بظلمتي ولعُزلتي نصح ثمين
قد عشت في هذا النداء بكلِّ روحي من سنين
متحفزاً للثورة الكبرى بوجه الغاصبين
أمَّاه صوتك في الكفاح يرن من قلب حنون
يطغى على صوت التفجر كاسحاً وجه المنون
يبقى بأعماق الفؤاد صدىً تفجُّره دفين
من بعد عهد بيننا وأنا في عهد أمين
أماه إني في التحرر ماضياً لا بعد حين
سيظل عزمي كاسحاً بطش الفرنسيِّ اللعين
ويظل صوتي ساخراً بالمقصلات وبالسجون
حين يدوي صارخاً في فرحة النصر المبين
أمي الجزائر حرِّرت من قبضة الظلم المهين(4)
مراجع الحلقة الخامسة بعد الثلاثمائة:
)) المصادر، العدد الخامس 2001م ص 94.
(2) المصدر نفسه ص 97.
(3) عثمان سعدي، الثورة الجزائرية في الشعر العراقي (1/220).
(4) نفس المصدر (1/221).
ـ يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022