(المرأة الجزائرية في شعر الثورة)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 304
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م
كان لمشاركة المرأة الجزائرية في حروب التحرير صدى في شعر الثورة، فقد عكس ونقل لنا هذا الشعر أجواء الثورة بالامها وامالها، وإن المتصفح لهذه النصوص الشعرية تطالعه صورة المرأة المجاهدة البسيطة التي قاومت المستعمر الفرنسي، بصبر وإيمان كبيرين، كما تطالعه صورة المجاهدة وهي تقوم بمختلف المهام التي كانت تسند إليها.
فهذا شاعر الثورة مفدي زكريا، يسجل في قصيدته بنت الجزائر سنة 1956م في صورة واقعية تلبية بنت الجزائر لنداء الكفاح، إذ ينقل لنا عبر القصيدة أجواء الثورة ووقائعها، حيث المعركة، والعدو، والقنابل، والجراح، والموت، والفداء، والنصر.
ويورد الشاعر هذه المعاني الثورية في أسوب إنشادي على لسان البنت الجزائرية التي تحارب العدو بكل جوارحها ووجدانها وهي تنشد قائلة:
أنا بنت الجزائر أنا بنت العرب
يوم نادى المنادي ودعا للكفاح
قمت أحمي بلادي وتركت المزاح
وصدقت جهادي وغدوت الجناح
في صفوف القتال أنا ألهب نارا
من أعالي الجبال أنا أدعوا البدارا
في معاني النضال أنا كنت المنارا
أنا أرمي القنابل والمسدس جنبي
أنا أفدي المقاتل بعيوني وقلبي
أنادي البواسل حطموا غلَّ شعبي
أما الشاعر صالح خباشة فينقل لنا من خلال شعره سنة 1957م جوانب أخرى من صورة المجاهدة وهي تمارس الأعمال في الجبل.
زيادة على هذا فالشاعر يعطينا المواصفات الجمالية المتميزة لهذه المجاهدة والتي لا شك أنها تختلف عن المواصفات الجمالية للمرأة العادية، فحزام هذه المجاهدة ليس فضة، لكنه من سبائك الخرطوش، وكفُّها مخضبة بالدم وليس الحناء، ويدها تلمع بمسدس وليس بسوار، وهي ملاك مع الجريح، ولبؤة مع العدو. وغيرها من المواصفات الأخرى التي تتميز بها المجاهدة التي أبرزها الشاعر من خلال استخدامه أسلوب التقابل بين الصور، وهذا ليجسد لنا الصورة الكلية للمجاهدة، وهذا في أسلوب وصفي إخباري إذ يقول:
بنت الجزائر والنضال يهزها
تاقت إلى خوض الغمار الدام
يشقت إلى الجبل الأشم مسالكا
مسدودة في أوجه الأخصام
لقد انتطقنا وما انتطقن بفضة
فسبائك الخرطوش خير حزام
ولها يد لماعة لا بالسوار
وإنما بمسدس رجام
والكف منها تنكر الحِنَّا وقد
ألفت خضاب الدم كالأقدام
ويواصل الشاعر خباشة في القصيدة نفسها تعداد الأعمال التي تقوم بها المجاهدة في الجبل، فهي إلى جانب إعدادها للطعام تخيط الملابس وتقوم بالتمريض وتحنّ على الجرحى في الوقت نفسه، تواجه العدو في ضراوة، يورد الشاعر هذه المعاني في أسلوب إخباري مباشر فيقول:
ما بين مختلف الثياب تخيطها
والنار تضرمها لطهي طعام
أو حول راقنة أناملها
تباري سرعة ألفا من الأقلام
فهي الملاك مع الجريح
وللمعادي لبؤة ترديه في إقدام
كما أن حضور المجاهدة مع إخوانها في الجبل يشكل رافداً معنوياً قوياً، فهي تقوي عزائمهم وتشجعهم بزغاريدها وثباتها على مقاومة العدو، وبذلك فهي حقاً ـ نموذج فذ للفداء، ورمز للبطولة وفي ذلك يقول الشاعر:
ش إن زغردت في كرة ذعر العدا
منها وأذكت نارها بضرام
أو رتلت في نصرنا أنشودة
نزلت على الأحرار برد سلام
أصبحت يا بنت الجزائر
للبطولة والفدا علماً من الأعلام
وسخرت بالتعذيب وهو فواجع
بالصبر كم أفللت حدَّ سهام(1)
وهذا الشاعر صالح الجعفري العراقي يقول عن نضال النساء الجزائريات ومساهمتهن في إنجازات الثورة الجزائرية، حيث قال:
أرأيتَهُنَّ كأنهنَّ شحذن من زُبر الحديد
أو أنَّهنَّ بُعثنَ يوم الرَّوع خلقاً من جديد
كافحن بالصبر الجميل وبالحجارة والجريد
متهللات كالربيع مغرِّدات بالنشيد
متحليات بالشجاعة لا الحُليِّ ولا العقود
يجررْن أذيال الفخار نُسجن من كرم الجدود
يطلعن في أفق الجزائر مثل أقمار السعود
وينرن للأحرار أرجاء الطريق إلى الخلود
فإذا الغد المجهول وضَّاحُ المعالم والحدود
وإذا الغد المكتوم ذو لُسُن وذو شأن وطيد
يرجُمْنَ بالعزمات تُنذر بالهلاك وبالوعيد
زُمر الجبابرة الطغاة وكلَّ شيطان مريد(2)
مراجع الحلقة الرابعة بعد الثلاثمائة:
)) المصادر، العدد الخامس ـ 2001م ص 92.
(2) عثمان سعدي، الثورة الجزائرية في الشعر العراقي (2/16).
ـ يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com