(إضاءات حول نشأة نور الدين زنكي)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 82
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444 ه/ ديسمبر 2022م
هو نور الدين زنكي، صاحب الشام، الملك العادل، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد ـ عماد الدين ـ زنكي بن الأمير الكبير آق سنقر التركي، السلطاني الملكشاهي.
مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمئة(1). وهم ينتسبون إلى قبيلة ساب يو التركية، ولا تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن نشأة نور الدين وشبابه، ولكنها جميعاً تؤكد: أنه تربى في طفولته تحت رعاية وإشراف والده، وأن والده كان يقدمه على إخوانه، ويرى فيه مخايل النجابة(2).
ولما جاوز الصبا؛ لزم والده حتى مقتله 541هـ/1047م(3)، وكانت حياة عماد الدين في فترة حكمه الموصل من 521هـ 541هـ مدرسة عليا شاملة لجميع أنواع المعارف الإنسانية: في مجالات العلوم السياسية، والإدارية، والعسكرية، بالإضافة إلى العلوم الشرعية الدينية، وقد جمعت مدرسة الحياة الكبرى التي عاش فيها نور الدين بين الأسلوب النظري، والتطبيقي(4).
وقد تزوج نور الدين عام 541هـ الزواج الذي لم تكن من وراءه جارية، ولا سُرِّيَّة، من عصمت الدين خاتون ابنة الأتابك معين الدين حاكم دمشق، بعد أن ترددت المراسلات بين الرجلين، واستقرت الحال بينهما على أجمل صفة، وتأكدت الأمور على ما اقترح كلٌّ منهما، وكتب كتاب العقد في دمشق بمحضر من رسل نور الدين في الثالث والعشرين من شوال. وما إن تمَّ إعداد الجهاز؛ حتى قفل الوفد عائداً وبصحبة ابنة معين الدين(5)، وخلَّف نور الدين من زوجته هذه ابنةً واحدة، وولدين هما الصالح إسماعيل، الذي تولى الحكم من بعده. وتوفي شاباً لم يبلغ العشرين من العمر من جراء مرض ألم به عام 577هـ، وأحمد الذي ولد بحمص عام 547هـ ثم توفي في دمشق طفلاً(6).
وقد ذكر ابن منير في أشعاره تهنئته لنور الدين بمولوده الجديد، فقال:
وجئت بأحمد فملأت حمداً
موارد كان معدنها عذابا
تهلل وجه مُلك يوم أهدت
قوابله لك المَلِك اللبابا
شبيهك لا يغادر منك شيئاً
سنا وحياً وبذلاً واستلابا
قسيم الحمدِ إلا أنَّ حرفاً
من اسمك زاد للمعنِي منابا
ألا لله يوم فُرَّ عنه
وركب نصَّ بالبشرى الرِّكابا(7)
وسرعان ما امتدت تقوى الرجل إلى زوجته، وابنه الأكبر، فكانت زوجته تكثر القيام في الليل، ونامت ليلة عن وردها، فأصبحت؛ وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها، فذكرت نومها الذي فوَّت عليها وردها، فأمر نور الدين عند ذلك بضرب الطبول في القلعة وقت السَّحر، لتوقظ النائمين حينذاك للقيام، ومنح الضاربين أجراً جزيلاً(8).
وصفها المؤرخون بأنها كانت من أحسن النساء، وأعفهن، وأكثرهن خدمة، متمسكة من الدين بالعروة الوثقى، وكانت لها أوقاف، وصدقات كثيرة، وبر عظيم(9)، وقد ذكر ابن كثير في أحداث عام 563هـ: «وفي شوال وصلت امرأة الملك نور الدين محمود زنكي إلى بغداد، تريد أن تحجَّ من هناك، وهي السِّتُّ عصمت الدين خاتون بنت معين الدين أنر، فتلقاها الجيش؛ ومعهم صندل الخادم، وحملت لها الإقامات، وأكرمت غاية الإكرام»(10).
وعرف عن الصالح إسماعيل تقواه العميقة، والتزامه الأخلاقي المسؤول، حتى رفض الأخذ برأي الأطباء في شرب شيء من الخمر عندما ألحَّت عليه علة القولنج، التي أودت بحياته. وقال: لا. حتى أسأل الفقهاء، فلما أفتوه بالجواز؛ لم يقبل، وسأل كبيرهم: إنِ الله تعالى قرَّب أجلي؛ أيؤخره شرب الخمر؟ قال: لا. فأجابه: فوالله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرَّم علي(11).
مراجع الحلقة الثانية والثمانون:
(1) سير أعلام النبلاء (20/531).
(2) دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ومقاومة غزو الفرنجة ص 73.
(3) المصدر نفسه ص 73.
(4) المصدر نفسه 88 ـ 89.
(5) ذيل تاريخ دمشق ص 288 ـ289 نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 48.
(6) نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 418.
(7) كتاب الروضتين (1/221).
(8) البداية والنهاية نقلاً عن نور الدين محمود ص 49.
(9) نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 49.
(10) البداية والنهاية (16/425).
(11) الباهر ص 182 نور الدين محمود ص 49.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي