(ما قيل في مقتل عماد الدين زنكي من شعر)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 80
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444 ه/ نوفمبر 2022م
اضطربت الأمور بعد مقتل عماد الدين، واختلت المسالك بعد الهيبة المشهورة، والأمنة المشكورة، وانطلقت أيدي التركمان، والحراميَّة في الإفساد في الأطراف والنواحي، وقال أبو يعلى التميمي في صفة هذا الحال أبياتاً:
كذاك عماد الدين زنكي تنافرت
سعادته عنه وخرَّت دعائمه
وكم بيت مال من نُضارٍ وجوهر
وأنواع ديباج حوتها مخاتمه
وأضحت بأعلى كلِّ حصن مصونةً
يحامي عليها جنده وخوادمه
ومن صافنات الخيل كلُّ مُطهَّم
يروع الأعادي حَليُه وبراجمه
فلو رامتِ الكُتَّاب وصف شياتها
بأقلامها ما أدرك الوصف ناظمه
وكم معقل قد رامه بسيوفه
وشامخ حصن لم تفته غنائمه
ودانت ولاة الأرض فيها لأمره
وقد أمَّنتهم كُتْبُه وخواتمه
وأمَّن من في كل قطر بهيبة
يُراع بها أعرابه وأعاجمه
وظالم قوم حين يُذكر عَدْلُه
فقد زال عنهم ظُلْمُه وخصائمه
وأصبح سلطان البلاد بسيفه
وليس له فيها نظير يزاحمه
وزاد على الأملاك بأساً وسطوة
ولم يبق في الأملاك ملك يقاومه
فلما تناهى ملكه وجلاله
وراعت وُلاةَ الأرضِ منه لوائمه
أتاه قضاء لا تُردُّ سهامه
فلم تُنْجِه أمواله ومغانمه
وأدركه للحين فيها حِمامهُ
وحامت عليه بالمنون حوائمه
وأضحى على ظهر الفراش مُجدَّلاً
صريعاً تولَّى ذبحه فيه خادمه
وقد كان في الجيش اللُّهام(1) مبيته
ومن حوله أبطاله وصوارمُه
وسُمْرُ العوالي حَوْلَهُ بأكُفِّهم
تذود الرَّدى عنه وقد نام نائمه
ومن دون هذا عُصبةٌ قد ترتَّبت
بأسهمها بُرْدى من الطير حائمه
وكم رام من الأيام راحة سرِّه
وهمّتُه تعلو وتقوى شكائمه
وكم مَسْلكٍ أمّن سُبْلَه
ومسرح حَيٍّ أن تراع سوائمه
وكم ثغرِ إسلام حماه بسيفه
من الروم لما أدركته مراحمه
فمن ذا الذي يأتي بهيبة مثله
وتنفذ في أقصى البلاد مراسِمُه
فلو رُقيت في كلِّ مصر بذكره
أراقمه ذلَّتْ هناك أراقِمُه(2)
فمن ذا الذي ينجو من الدَّهر سالماً
إذا ما أتاه الأمر والله حاتِمُه
ومن رام صفواً في الحياة فما يرى
له صَفْوُ عَيْشٍ والحِمَامُ يحاومه
فإيَّاك لا تغبط مليكاً بملكه
ودعه فإن الدهر لا شك قاصمه
وقل للذي يبني الحصون لحفظه
رُويدك ما تبني فدهرك هادمه
وفي مثل هذا عبرة ومواعظ
بها يتناسى المرء ما هو عازمه(3)
وقال الحكيم أبو الحكم المغربي قصيدة في رثاء عماد الدين جاء فيها:
عينٌ لا تدخري الدموع وبَكّي
واستهلِّي دماً على فقد زنكي
لم يَهَب شخصه الرَّدى بعد أن
كانت له هيبة على كل تُركي
خيرُ مَلْكٍ ذي هيبة وبهاء
وعظيم بين الأنام بُزُزكِ
يَهَبُ المال والجياد لمن
يمَّمَه مادحاً بغير تَلَكِّي
إنَّ داراً تمدُّنا بالرَّزايا
هي عندي أحقُّ دار بترك
فاسْكُبوا فوق قبره ماء وَرْدٍ
وانضحُوهُ بزعفران ومسك
أيُّ فتكٍ جرى له في الأعادي
بعد ما استفتح الرُّها أيَّ فتكِ
كل خطب أتت به نُوَبُ
الدهر يسيرُ في جنب مصرع زنكي
بعد ما كاد أن تدين له
الرُّوم ويحوي البلاد من غير(4) شكِّ
مراجع الحلقة الثمانون:
(1) اللُّهام: أي الكثير، كأنه يلتهم كل شيء.
(2) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/165).
(3) المصدر نفسه (1/166).
(4) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/167).
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي