الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

تأملات في الآية الكريمة

﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾

الحلقة: 35

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1445ه/ يوليو 2023م

 

الكثير يظنون أن الّنعمة هي ما تراه العيون من زينة الدنيا، أو ما تتعلّق به القلوب من الجاه والملك والسلطان، والحقيقة أن النعم على وجهين:

- نعم مؤقتة زائلة كالصّحة والمال والوقت والسمع والبصر والعافية، حيث إنها تزول بالموت وتنتهي بانتهاء الأجل.

- نعم مؤبّدة، لا ينقطع نفعها في الدنيا ولا في الآخرة، وهذه هي نعمة الإيمان واليقين والطاعة والأعمال الصالحة. وكل النعم من الله وحده: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثمّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53]، المؤقتة منها والمؤبدة، الظاهرة منها، والباطنة، فالمنعِم واحد، والجميع متمتّعون بنعمه غارقون في فضله وكرمه. (1)

وفي قوله: ﴿ويتمّ نعمته عليك﴾، تمام النعمة هنا ليس هو الملك والسلطان؛ لأن الله يعطي الدنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، وإنّما تمام النعمة تكون بالنعمة الكبرى، وهي الرسالة والدعوة الّتي خص الله بها أباه من قبل، وذلك أنّ الله لا يعطي الدين إلّا من يحبّ. فالعلم النافع والهداية لطريق الحقّ، والاستقامة على منهج الله ودعوة عباد الله إلى الله كلّ ذلك من النعم العظيمة الّتي لا توازن بها نعم الدنيا الظاهرة كلّها، ولا أدلّ على ذلك من أنّ كلمة (سبحان الله) تملأ الميزان. و(سبحان الله والحمد الله) تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض. وقد جاءت نصوص كثيرة تُعمّق هذا المعنى في القلوب، حتّى تتبدّل رغبات النّفوس، وتتطلّع إلى النعم الحقيقيّة الباقية، وتنظر إلى الحياة على أنّها فرصة لتحصيل الأجور والمنافسة في الخيرات.(2)

وقال الشيخ محمّد متولي الشعراوي في الآية الكريمة ﴿ويتمّ نعمته عليك﴾: ‌فكل ‌ما ‌تَمَتَّع ‌به ‌يوسف هو من نعم الدنيا، وتاج نعمة الدنيا أن الله اجتباه رسولاً. أو أن: ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ …﴾، بمعنى ألّا تسلب منك النعمة أبداً؛ ففي حياة يوسف منصبٌ مهم، هو منصب عزيز مصر، والمناصب من الأغيار الّتي يمكن أن تنزع. أو أن: ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ …﴾، بأن يصل نعيم دنياك بنعيم أُخْراك.(3)

وقال الدكتور محمّد أبو موسى في قوله تعالى ﴿ويتمّ نعمته عليك﴾: وهذا يوشك أن يكون نصاً في النبوّة، وإن كانت كلمة: ﴿يجتبيك﴾ جعلت سيدنا يوسف كأنه على باب النبوّة؛ وألحق يعقوب إتمام النعمة به وبأبويه إبراهيم وإسحاق، وهي لا تكون إلّا النبوّة.

 

مراجع الحلقة الخامسة والثلاثون:

1 وقفات في حياة الأنبياء، خالد عبد العليم، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2014م، ص 96.

2 المصدر نفسه، ص 97.

3 تفسير الشعراوي، مرجع سابق، (11-6856).

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022