تأملات في الآية الكريمة
*﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا﴾*
الحلقة: 45
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
هكذا كانت مشاورات إخوة يوسف فيما بينهم؛ التفكير بالقتل لأخيهم الصغير الّذي لم يرتكب جريرة ولا جريمة، وهذا يذكرنا بقتل ابن آدم لأخيه ويذكرنا بأنّ الإنسان إذا خضع لوسوسة الشيطان انحطَّ إلى أسفل سافلين ورُدَّ إلى مرتبة أحطّ من الوحوش، وصار كما توقعت الملائكة: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾؟ وأيّ دماء؟ إنها دماء بريء، وأي بريء؟ إنّه الأخ اللطيف المهذب الّذي لم يسئ ولن يسيء.
ومع التراجع السريع عن القتل إلى الطرح أرضاً، والطرح أرضاً أخف من القتل، وقد يصل إلى حد القتل ولكنه قتل بالتّسبب، وهم لا يريدون القتل بالعمد، ولكن لا بأس بالقتل بالتّسبب، وقد لا يترتب على الطّرح أرضاً موت ولا قتل. (1)
ولفظة: ﴿اطرحوه﴾، احتوت دلالات دقيقة كشفت لنا ما في نفوس الإخوة من غلّ وحسد حتّى وصل بهم الأمر أن تقترح نفوسهم الطرح أرضاً، فالكلمة تعبّر عن نوبة صرع جامحة للنفس لا تجد من يروضها ويطفئ نارها إلّا بالخلاص من هذا الفتى الصغير، فكان الطرح، والذي يضمن النبذ والإلقاء والرمي بعيداً عن قلب أبيهم وعدم الاعتداد به، وعدم الالتفاف والحاجة له، وهذا النبذ والرمي وعدم الالتفاف له لا يكون في مكان قريب أو مكان يأمن فيه على نفسه، بل هو مكان بعيد غاية البعد والجهالة، وما هذه المعاني إلّا لتدل على مزيد التخلص من يوسف وعلى غض النظر بما يحصل له مكروه، محاولة لإطفاء نار الحسد والغيرة، الّتي تتغلغل في جنباتهم دون النظر إلى أنّه الأخ الصغير البريء في طفولته؛ لأنّ البصائر قد عميت والقلوب قد أقفلت فجاءت لفظة: (الطرح) مؤدية للغرض الّذي سيق لأجله من بيان ما اعترى في نفوسهم من حسد وغيرة، تحمل في طيّاتها معاني الإبعاد الحسي الّذي يراد منه الإبعاد القلبي والمعنوي بعد ذلك ولا يمكن للفظة أخرى أن تؤدي هذه الرسالة الّتي اختصّ بها هذ اللفظ.
وفي قوله: ﴿اطرحوه أرضاً﴾، جعلوا طرحه أرضاً مساوياً لقتله وهذا يعني أن يطرحوه أرضاً بعيدة مجهولة منكرة في بوادي بعيدة منكرة، تأكله الذئاب ،(2) ولاحظ ما في كلمة: (اطرحوه) من غلظة وقسوة ورغبة في هلاكه، وما في كلمة (أرضاً) من تنكير تتسع الدلالة فيه وتأخذ آماداً بعيدة ولو حاولت أن تعبّر عن المعاني الّتي يتسع إليها التنكير في هذه الكلمة لوجدتّك في حاجة إلى كلام طويل.
مراجع الحلقة الخامسة والأربعون:
سورة يوسف، د. أحمد نوفل، ص 297.
من حديث يوسف وموسى، محمد محمد أبو موسى، ص 66.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي