تأملات في الآية من سورة يوسف
﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾:
الحلقة: 47
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
لقد علم إخوة يوسف عليه السلام أن ما عزموا على فعله ذنب وأنّهم قد عقدوا العزم على التوبة منه بعدُ. ولا يكون ذلك مسوّغاً لفعلهم؛ إن من قدّم العزم على التوبة قبل صدور الذنب تسهيلاً لفعله وإزالةً لشناعته، وتنشيطاً لنفسه عليه، فلا يُحمد له أبداً هذا العزم وذاك التعليق، بل قد يكون صنيعه هذا دالاً على استخفاف بمعصية الله تعالى، ولو صدق في إرادة التّوبة واجتمع عمل القلب الّذي يقوم بالتائب؛ لما أقدم على الذنب أصلاً، فإذا كان تقديم العزم على ذنب متعلقاً بحق آدمي كان ذلك أشدّ، فإنّ من شروط التوبة ردّ الحقوق إلى أهلها، فإذا تعلّق بأكثر من مخلوق واحد كان أعظم، فإن كان المخلوق قريباً يجب برّه أو يجب تعظيمه من نحو عالم وأب كان ذلك أكبر، ولا يسوّغ ذلك بحال حسنُ النيّة والقصد، فإخوة يوسف ما فعلوا فعلتهم إلّا ليخلوا لهم وجه أبيهم، فالغاية لا تجعل الوسيلة المحرمة حلالاً.(1)
﴿وتكونوا من بعده قوماً صالحين﴾: هكذا ينزع الشيطان، وهكذا يسوّل للنّفوس عندما تغضب وتفقد زمامها، وتفقد صحة تقديرها للأشياء والأحداث، وهكذا لمّا غلا في صدورهم الحقد برز الشيطان ليقول لهم: اقتلوا... والتوبة بعد ذلك تُصلح ما فات وليست التوبة هكذا، إنّما تكون التوبة من الخطيئة الّتي يندفع إليها المرء غافلاً جاهلاً غير ذاكر، حتّى إذا تذكر ندم وجاشت نفسه بالتوبة. أمّا التوبة الجاهزة الّتي تُعدّ سلفاً قبل ارتكاب الجريمة لإزالة معالمها، فليست توبة، وإنّما تبرير لارتكاب الجريمة بزينة الشيطان.(2)
ولا بدّ من الإشارة أنّ باب التوبة مفتوح للعبد ما لم يغرغر ولم تطلع الشمس من مغربها، فالتوبة والأوبة والإنابة إلى الله، باب مفتوح لم يُغلق في وجه واحد قال لا إله إلّا الله. وإن العبد قد يرتفع إلى أعلى عليين بالأوبة والتوبة والإنابة والعمل الصالح وقد كان يوماً في أسفل السافلين.(3)
إنّ إخوة يوسف عليه السلام في هذه السّورة في نهاية المطاف ندموا وطلبوا العفو والسماح من يوسف ويعقوب - عليهما السلام - وحسنت توبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى.
مراجع الحلقة السابعة والأربعون:
1 آيات للسائلين، ص 116.
2 في ظلال القرآن، (4/1973).
3 من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، ص 67.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي