الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

تأملات في الآية الكريمة

﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾

الحلقة: 51

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

والتعبير يرسم بكلماته وعباراته كلّ ما بذلوه ليندسوا به إلى قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب، الّذي يتوسم فيه أن يكون الوارث لبركات أبيه إبراهيم.

- ﴿يا أبانا﴾ بهذا اللفظ الموحي والمذكر بما بينه وبينهم من آصرة.

- ﴿مالك لا تأمنا على يوسف﴾؛ سؤال فيه عتب، وفيه استنكار خفيّ، وفيه استجاشة لنفي مدلوله من أبيهم، والتسليم لهم بعكسه، وهو تسليمهم يوسف، فهو كان يستبقي يوسف معه ولا يرسله مع إخوته إلى المراعي والجهات العلوية الّتي يرتادونها لأنّه يحبه، ويخشى عليه ألا يحتمل الجو والجهد الّذي يحتملوه وهم كبار، لا لأنّه لا يأمنهم عليه، فمبادرتهم له بأنه لا يأمنهم على أخيهم وهو أبوهم، المقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر، ومن ثمّ يفقد إصراره على احتجاز يوسف، فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة.(1)

- ﴿ما لك لا تأمنا على يوسف وأخيه وإنا له لناصحون﴾: قلوبنا له صافية لا يخالطها سوء، وذكر النصح هنا – وهو الصفاء والإخلاص – يظهر عكس ما كانوا يخفونه من الدغل المريب.(2)

- قال أبو حيان - رحمه الله -: وفي قولهم: ما لك لا تأمنا، ‌دليل ‌على ‌أنهم ‌تقدم منهم سؤال في أن يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي: لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذه؟ والنصح دليل على الأمانة، ولهذا قرأنا في قوله: ﴿ناصح أمين﴾، وكان قد أحس منهم قبل ما أوجب ألّا يأمنهم عليه.(3)

وقال السعدي - رحمه الله -: أي؛ لأي شيء يدخلك ‌الخوف ‌منا ‌على يوسف، من غير سبب ولا موجب؟ ﴿و﴾ الحال ﴿إنا له لناصحون﴾ أي: مشفقون عليه، نود له ما نود لأنفسنا، وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها.

فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة من عدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه الّذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم.(4)

وقال البغوي في قوله: ﴿وإنا له لناصحون﴾: النصح هو القيام بالمصلحة وقيل: البر والعطف، إنا عاطفون عليه، قائمون بمصلحته، ونحفظه حتّى نرده إليك.(5)

وقال أبو السّعود في قوله: ﴿يا أبانا﴾ خاطبوه بذلك تحريكاً لسلسلة النسبِ بينه وبينهم وتذكيراً لرابطة الأخوّة بينهم وبين يوسفَ عليه الصلاة والسلام ليتسببوا بذلك إلى استنزاله عليه السلام عن رأيه في حفظه منهم لمّا أحس منهم بأمارات الحسد والبغي فكأنهم قالوا ﴿مالك﴾ أي أيُّ شيء لك ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾ أي لا تجعلنا أمناءَ ﴿على يُوسُفَ﴾ مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا ﴿وَإِنَّا لَهُ لناصحون﴾ مريدون له الخيرَ ومشفقون عليه ليس فينا ما يُخلُّ بالنصيحة.(6) وقب أن يسمعوا جواب أبيهم على سؤالهم وعتابهم طلبوا منه أن يرسله غداً معهم إلى المراعي والقفار كأنّ كلامهم أمر محقق لا شك فيه ولا ارتياب.(7)

 

مراجع الحلقة الواحدة والخمسون:

1 في ظلال القرآن، (4/1974).

2 المصدر السابق نفسه، (4/1974).

3 البحر المحيط، (6/244-245).

4 تفسير السعدي، (ص 501).

5مختصر معالم التنزيل، (1/432).

6 تفسير أبي السّعود، (4/257).

7 التفسير الموضوعي، (4/140).

 

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022