الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الجبّ﴾

تأملات في الآية الكريمة

الحلقة: ٤٩

الدكتور علي محمد الصلابي

 

من المعروف في اللغة أنّ الجبّ يختلف عن البئر في مواصفاته: ذاك أنّ البئر هي الحفرة في الأرض الّتي تضم في قعرها ماء متّصلا يينبوع يؤمّن استمرار تدفق الماء، أو بشريان مائي يجري تحت سطح الأرض، وقد أقام النّاس على حوافّ هذه الحفرة، بناء محيطاً بها، منعاً من اندراسها. أما الجبّ: البئر الواسعة. وسميت جبّاً لأنها قطعت من الأرض قطعاً، وهي كذلك يتصل قعرها بالماء، ولكن لا حواف لها عند السطح فهي الركيّة الّتي لم تطوّق. أما غيابة الجبّ، فهي ما غاب عن سطح الأرض داخل الجبّ، ولكنه ارتفع عن سطح الماء ولم يغب فيه. وإنّما ذكرت الغيابة مع الجبّ دلالة على أن هذا القائل أشار عليهم بإلقائه في موضع بناحية الجبّ في إحدى أطرافه السفلى، بعيداً عن وسطه الّذي فيه الهوّة، الّتي تكون عادة لكي يجتمع الماء فيها عند أواخره، فهذه المشورة خطة ثالثة تحتوي سلامة يوسف، وتضمن حياته، وتكفل بقاءه، وذلك لا يكون إلّا بما قلنا وصوّرنا، فالمراد أن يُلقوه في ناحية من نواحيه إلّا في وسطه حتّى يكون بعيداً عن الماء؛ لأنّهم اتفقوا أخيراً على عدم إهلاكه، وهذا لا يتحقق إلّا بهذه الصورة، وأمّا لو كانوا يريدون إلقاءه في جب مملوءة ماء لكانوا يريدون إهلاكه وهو خلاف ما وقع عليه اتفاقهم أخيراً.(1)

إن الوصف القرآني يصور لنا بدقته واقع الخطة بكاملها بكلمتين اثنين: ﴿غيابة الجبّ﴾، فإذ بنا نفهم أنّ المقترح أراد التخلص من يوسف دون أن يتم قتله بصورة مباشرة، بأن يُقصى عن أبيه، وأن لا يذهبوا به بعيداً جداً لمشقة ذلك عليهم، ولا يتركوه في مكان قريب يمكنه من العودة إلى أبيه، ولا يتركوه في الفلاة في مكان مكشوف. إلّا إنّه خشي أن يقول: ألقوه في البئر، فيغرق، فإذا به يتحرى الدقة في موضع إلقائه، فيقول: ﴿ألقوه في غيابة الجبّ﴾، بما يضمن عدم قتله. وأل هنا ﴿الجب﴾ للعهد لا للجنس أي: الجبّ المعهودة المعروفة لكم، والتي ليس فيها ماء مغرق وليست مهجورة بحيث تكون مأوى العناكب والحيّات والعقارب، وليست معزولة عن طريق المارة فيموت من الجوع، ولكنها الجبّ الّتي تعرفون على ممرّ السيارة حتّى يلتقطه هؤلاء ويأخذونه.(2)

 

مراجع الحلقة التاسعة والأربعون:

1 - مؤتمر تفسير يوسف، (1/334).

2 - سورة يوسف، أحمد نوفل، ص 303.

 

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668

#القرآن_سكينة_لقلوبنا

#الصلاه_علي_النبي

#التاريخ_الإسلامي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022