الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

تمكين الله تعالى لموسى عليه السلام (5) ..

مختارات من كتاب (فقه النصر والتمكين)

بقلم: علي محمد الصلابي

الحلقة: السادسة عشر

لقد حاور موسى عليه السلام فرعون الطاغية وساجل سحرته، وكانت محاولته لمعالجة الوضع من فوق، لتحقيق تغيير أشمل، ولكن سرعان ما تبين أن الجدار الفرعوني لا يخترق ولا يستمال ولا يحيَّد ولا يكسب، حتى بعد أن كسب المعركة عقديًا وفكريًا وسياسيًا حين لقفت عصاه عصي السحرة فكان لا بد من الخروج ببني إسرائيل خلسة وباستخدام أسلوب التمويه حتى يكسب بعض الوقت قبل اكتشاف أثرهم واللحاق بهم، فالمواجهة كانت تعنى الهلاك، بل فشل الفرار كان يعنى الهلاك كذلك.

وكان لابد من التوجه نحو الصحراء حتى يمنع اللحاق بهم ويصلوا أرض الميعاد، بل كل هذا المجهود الفذ الذي قام به موسى عليه السلام لتخليص قومه من الذل والخنوع والاستعباد ما كان لينجح لولا توفيق الله عَزَّ وَجَلَّ ومعجزة شق البحر، وإغراق فرعون وجنوده وهم يكادون يمسكون بالهاربين (1).

لقد كان للأثر السياسي والاجتماعي ومظاهر البيئة الخارجية والداخلية تأثير في اتخاذ أسلوب الهجرة السرية لموسى وقومه، وعلى الشعوب المستضعفة: أن تعمل ما في جهدها وطاقتها ووسعها وتوقن أن نصر الله قادم ما دامت تريد أن تعبد الخلاق العليم على نهجه وشرعه ودينه القويم, لقد حان وقت هلاك فرعون اللعين ونجاة موسى الكليم ومن معهم من المؤمنين:

قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبعُونَ ` فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ` إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ` وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ` وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ` فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ` وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ` كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ` فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ` فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ` قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ` فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ` وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآَخَرِينَ ` وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ` ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآَخَرِينَ ` إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ` وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 52- 68].

إن الآيات الكريمة توضح لنا سنة من سنن الله الماضية والجارية في المجتمعات والشعوب والأمم ألا وهي سنة إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه، المعترفين برسالة رسله وأنبيائه، وإهلاك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه، وتتضح سنة أخرى ألا وهي سنة الاستدراج وكيف أن المولى عَزَّ وَجَلَّ قرب فرعون وجنوده وأدناهم بل وسلب عقولهم بحيث إنهم تابعوا موسى وقومه, ونقف مع الرسول الكريم في قوله تعالى: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) هنا دلالة مهمة ألا وهي: أن الرسل هم أوثق الناس بنصر الله عز وجل ووعده، فلو ضاقت الأمور وشك الناس في وعد الله بالنصر والفرج فإن الرسل هم أوثق الناس بنصر الله.

إن فرعون الطاغية حاول أن يرفض الاستسلام لآيات الله ومشيئته وتكبر وتجبر وتغطرس وهذه هي النهاية: استدرج بعيدًا عن عرشه وقصره وسلطانه وأصبح من المغرقين، وأصبح وقومه أثرًا بعد عين, وبدأ نجم المستضعفين في الصعود إلا أن سنوات القمع والظلم وضعف العقيدة لا زال أثرها في نفوس بنى إسرائيل إلا أن هذا الانتصار العظيم لموسى الكليم على الطاغية اللئيم نوع من أنواع التمكين الذي ذكرت في القرآن الكريم وكان خطوة نحو التمكين الأكمل والنصر الأعظم الذي تم في عصر داود وسليمان عليهما السلام.

----------------------------------------

مراجع الحلقة السادسة عشر:

(1) انظر: في نظريات التغيير، منير شفيق، ص (1).

يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022