زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهبٍ، ورؤيا آمنة أمِّ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)
مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين ..
بقلم د. علي محمد الصلابي
الحلقة (9)
كان عبد الله بن عبد المطلب من أحبِّ ولد أبيه إليه، ولـمَّا نجا من الذَّبح، وفداه عبد المطلب بمئةٍ من الإبل، زوَّجه من أشرف نساء مكَّة نسباً، وهي آمنة بنت وهبٍ ابن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب.
ولم يلبث أبوه أن توفِّي بعد أن حملت به صلى الله عليه وسلم آمنة، ودُفن بالمدينة عند أخواله بني «عديِّ بن النَّجار»، فإنَّه كان قد ذهب بتجارةٍ إلى الشَّام، فأدركته منيَّته بالمدينة وهو راجعٌ، وترك هذه النَّسَمَةَ المباركة، وكأنَّ القدر يقول له: قد انتهت مهمَّتك في الحياة، وهذا الجنين الطَّاهر يتولَّى الله - عزَّ وجلَّ - بحكمته ورحمته تربيته، وتأديبه، وإعداده؛ لإخراج البشريَّة من الظُّلمات إلى النُّور.
ولم يكن زواج عبد الله من آمنة هو بداية أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم . قيل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : ما أوَّل بدء أمرك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمِّي أنَّه خرج منها نورٌ أضاءت منه قصورُ الشَّام» [أحمد (5/262) والمعجم الكبير (7729) ومجمع الزوائد (8/221)] .
ودعوة إبراهيم عليه السلام هي قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129] .
وبشرى عيسى عليه السلام كما أشار إليه قوله - عزَّ وجل - حاكياً عن المسيح عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَم يابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلـمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾[الصف: 6] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «ورأت أمِّي كأنَّه خرج منها نورٌ أضاءت منه قصورُ الشَّام». قال ابن رجب: «وخروجُ هذا النُّور عند وضعه إشارةٌ إلى ما يجيء به من النُّور؛ الَّذي اهتدى به أهل الأرض، وزالت به ظلمة الشِّرك منها، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: 15 - 16] .
وقال ابن كثير: «وتخصيص الشَّام بظهور نوره، إشارة إلى استقرار دينه، وثبوته ببلاد الشَّام، ولهذا تكون الشَّام في آخر الزَّمان معقلاً للإسلام، وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام بدمشق بالمنارة الشَّرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصَّحيحين: «لا تزال طائفة من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم مَنْ خذلهم، ولا مَنْ خالفهم، حتَّى يأتي أمر الله وهم كذلك». وفي صحيح البخاريِّ: «وهم بالشَّام» [البخاري (3641) ومسلم (1923/م)] .
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 58-60.
- أحمد فريد، وقفات تربوية مع السِّيرة ، ص 46.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب السيرة النبوية في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: