الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

"من الشجر الأخضر ناراً" ... إشارة إعجازية في القرآن الكريم

الحلقة الرابعة والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م

الشجر إذا قطع وأصبح حطباً يكون ميتاً وليس فيه أثر للحياة، فإذا أوقدت به النار دبت فيه الحركة واضطرب، وهذه آثار الحياة، فمن قدر على هذا قادر على إحياء الموتى، وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل في موضعين من كتابه سبحانه وتعالى:
ــ قال تعالى: "أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ" (الواقعة ، آية : 71 ـ 72).
ــ قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس ، آية : 77 ـ 83).
فردَّ بهذه الآيات على من أنكر البعث بثلاثة أدلة عقلية:
أ ـ الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، قال تعالى: " قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" (يس ، آية : 79).
ب ـ الاستدلال بإخراج النار من الشجر الأخضر: مع أنه أكثر بالضدية لأن الشجر إنما يكون أخضر إذا كان مليئاً بالماء، فمن قدر على إخراج النار من هذا الشجر الميت المليء بالماء قادر على إحياء الأموات من قبورهم، قال تعالى: "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا" إعجاز علمي، وذلك لأن أهل البادية فهموها من قبل ألف وأربعمائة سنة بالخشب أو الحطب أو بشجرتي المرخ والعفار، ونحن نفهما اليوم في إطار كل صور الطاقة ذات الأصل العضوي من كل الفصلات النباتية والحيوانية مثل التين والقش، والحطب والخشب إلى الفحم النباتي، والفحم الحجري والغازات المصاحبة له، إلى الطَّفلة الزيتية إلى النفط والغازات المصاحبة له، وكل هذه المصادر للطاقة يلعب الدور الرئيسي في تكوينها الشجر الأخضر وما وهبه الله تعالى من قدرة على احتباس جزء من طاقة الشمس يعينه على تحليل الماء إلى مكوناته الأساسية: الأيدروجين والأكسجين، فيطلق الأكسجين ويحتفظ بذرات الأيدروجين، كما يعينه على تحليل ثاني أكسيد الكربون (الذي يمتصه النبات من الغلاف الغازي للأرض) إلى مكوناته الأساسية الكربون، الأكسجين، فيحتفظ بذرة الكربون ويطلق الأكسجين إلى الجو، ثم يربط ذرات الكربون والأيدروجين بروابط كيميائية على هيئة سلاسل الكربوهيدرات المختلفة السكر بمختلف أنواعه، النشأ، السيليلوز وغيرها، التي تشكل كل أجزاء النباتات وثمارها ومحاصيلها التي يقتات عليها الإنسان وكثير من الحيوانات آكلة الأعشاب.
وعلى ذلك، فإن حركة الطاقة على الأرض تتلخص في تبادل ذرة الكربون بين الهواء والنبات والحيوان والإنسان، يأخذها النبات من الغلاف الغازي للأرض بعملية التمثيل الضوئي ويهبها لكل من الحيوان والإنسان، ثم يعاود كل من النبات والحيوان والإنسان إطلاقها إلى الغلاف الغازي للأرض بعمليات التنفس، وبين عمليتي أخذ ثاني أكسيد الكربون من الجو وإعادة إطلاقه إليه يختزن لنا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كمَّاً هائلاً من الجو، وإعادة إطلاقه إليه يختزن لنا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كمَّاً هائلاً من ذرات الكربون ليشكل مختلف مصادر الطاقة التي يحرقها الإنسان فيردها مرة أخرى إلى الغلاف الغازي للأرض، وهذه الدورة لم تكتشف إلا مؤخراً، وورود الإشارة إليها في القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة سنة لمّما يقطع بأن هذا الكتاب العزيز لا يمكن أن يكون صناعة بشرية.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (220، 221).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022