"جنة بربوة " ... تعبير اعجازي في القرآن الكريم
الحلقة الثانية والخمسون
بقلم الدكتور: علي محمد محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م
قال تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة ، آية : 265).
وهذا مثل ضربه الله لمن كانت نفقته مقبولة مضاعفة لصدورها عن الإيمان والإخلاص التام "ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ" أي ينفقون وهم ثابتون على وجه السماحة والصدق، فمثل هذا العمل " كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ"، وهو المكان المرتفع لأنه يتبين للرياح والشمس والماء فيها غزير، فإن لم يصبها ذلك الوابل الغزير، حصل لها طل ّكاف لطيب منبتها وحسن أرضها وحصول جميع الأسباب الموفرة لنموها وازدهارها وإثمارها ولهذا "فآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ" أي متضاعفاً، وهذه الجنة التي على هذا الوصف هي أغلى ما يطلبه الناس، فهذا العمل الفاضل بأعلى المنازل.
وفي تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة، وهي الأرض الخصبة المرتفعة، إشارة إلى ما كشفه العلم الحديث، لأنه بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية ليغوص المجموع الجذري في التربة من غير ماء يضره ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة لأكبر كمية من الغذاء للسيقان والمجموع الخضري، فيتضاعف المحصول، وللوابل من الأمطار فائدة فوق التغذية أنه يذيب بعض المواد التي لا تحتاج إليها النباتات ويغسلها من التربة، لأن وجودها مما يعطل نمو النباتات كما يغسلها من الآفات.
ومن الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء، فهناك القمم السامقة للسلاسل الجبلية، وهناك السفوح الهابطة لتلك السلاسل، حتى تصل إلى السهول المنبسطة والممتدة إلى ما فوق مستوى سطح الأرض وبين "القمم السامقة" و"والسهول المبسطة" نجد "الرواب" أو "الربى" جمع "ربوة" أو "رابية" و"التلال" جمع تل و"الآكام" جمع "أكمة"، وهي النتوءات الأرضية المختلفة دون الربوة ثم "الهضاب" جمع "هضبة" و"النجود" جمع "نجد"، ثم "السهول" ومن بعد السهول يأتي كل من المنخفضات الأرضية على اليابسة والمنخفضات البحرية المغمورة بماء البحار والمحيطات ويرجع السبب في تباين تضاريس سطح الأرض إلى اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني للصخور المكونة لها، وبالتالي إلى اختلاف كثافة تلك الصخور، وذلك لأن كتل الغلاف الصخري للأرض تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة، يعرف باسم "نطاق الضعف الأرضي"، يحكمها في ذلك قانون الطفو: تماماً كما تطفو جبال الجليد في ماء المحيطات.
إن الآية الكريمة قد نبهت إلى البيئة المثلى لزراعة أشجار الثمار، ألا وهي بيئة الروابي حيث أنها أراضي مسطحة مرتفعة دون الجبل وفوق التل، وهذه حقيقة علمية أثبتتها التجارب على مدى عقود متتالية وورودها في كتاب الله بهذا الوصف القرآني شاهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله عليه الصلاة والسلام.
والآية الكريمة فيها مشهد جمالي مبهج حيث نرى جمال الحديقة فوق الرابية والمطر ينزل فيها وذلك بإعادة لفظ المطر مرتين "وابل" ف"طل".
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (216:214).
* زغلول النجار، آيات النبات في القرآن الكريم، صفحة 293،495.
* يحيى وزيري، إعجاز القرآن الكرمي في العمارة والعمران، صفحة 163.
الحلقة الثانية والخمسون
بقلم الدكتور: علي محمد محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م
قال تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة ، آية : 265).
وهذا مثل ضربه الله لمن كانت نفقته مقبولة مضاعفة لصدورها عن الإيمان والإخلاص التام "ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ" أي ينفقون وهم ثابتون على وجه السماحة والصدق، فمثل هذا العمل " كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ"، وهو المكان المرتفع لأنه يتبين للرياح والشمس والماء فيها غزير، فإن لم يصبها ذلك الوابل الغزير، حصل لها طل ّكاف لطيب منبتها وحسن أرضها وحصول جميع الأسباب الموفرة لنموها وازدهارها وإثمارها ولهذا "فآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ" أي متضاعفاً، وهذه الجنة التي على هذا الوصف هي أغلى ما يطلبه الناس، فهذا العمل الفاضل بأعلى المنازل.
وفي تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة، وهي الأرض الخصبة المرتفعة، إشارة إلى ما كشفه العلم الحديث، لأنه بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية ليغوص المجموع الجذري في التربة من غير ماء يضره ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة لأكبر كمية من الغذاء للسيقان والمجموع الخضري، فيتضاعف المحصول، وللوابل من الأمطار فائدة فوق التغذية أنه يذيب بعض المواد التي لا تحتاج إليها النباتات ويغسلها من التربة، لأن وجودها مما يعطل نمو النباتات كما يغسلها من الآفات.
ومن الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء، فهناك القمم السامقة للسلاسل الجبلية، وهناك السفوح الهابطة لتلك السلاسل، حتى تصل إلى السهول المنبسطة والممتدة إلى ما فوق مستوى سطح الأرض وبين "القمم السامقة" و"والسهول المبسطة" نجد "الرواب" أو "الربى" جمع "ربوة" أو "رابية" و"التلال" جمع تل و"الآكام" جمع "أكمة"، وهي النتوءات الأرضية المختلفة دون الربوة ثم "الهضاب" جمع "هضبة" و"النجود" جمع "نجد"، ثم "السهول" ومن بعد السهول يأتي كل من المنخفضات الأرضية على اليابسة والمنخفضات البحرية المغمورة بماء البحار والمحيطات ويرجع السبب في تباين تضاريس سطح الأرض إلى اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني للصخور المكونة لها، وبالتالي إلى اختلاف كثافة تلك الصخور، وذلك لأن كتل الغلاف الصخري للأرض تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة، يعرف باسم "نطاق الضعف الأرضي"، يحكمها في ذلك قانون الطفو: تماماً كما تطفو جبال الجليد في ماء المحيطات.
إن الآية الكريمة قد نبهت إلى البيئة المثلى لزراعة أشجار الثمار، ألا وهي بيئة الروابي حيث أنها أراضي مسطحة مرتفعة دون الجبل وفوق التل، وهذه حقيقة علمية أثبتتها التجارب على مدى عقود متتالية وورودها في كتاب الله بهذا الوصف القرآني شاهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله عليه الصلاة والسلام.
والآية الكريمة فيها مشهد جمالي مبهج حيث نرى جمال الحديقة فوق الرابية والمطر ينزل فيها وذلك بإعادة لفظ المطر مرتين "وابل" ف"طل".
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (216:214).
* زغلول النجار، آيات النبات في القرآن الكريم، صفحة 293،495.
* يحيى وزيري، إعجاز القرآن الكرمي في العمارة والعمران، صفحة 163.