رفض الإسرائيليات الواردة في تفسير قصة قدوم الخصمين لداوود (عليه السلام)
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)
بقلم د. علي محمد الصلابي
الحلقة (23)
قال الله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)﴾[21 – 25].
ذكرت الإسرائيليات المكذوبة، وروايات العهد القديم الباطلة، قصةً مزيفة عن سبب قدوم الخصمين لداوود (عليه السلام)، وفيها اتهامات لداوود بالنساء، والنظر إليهن، والافتتان بهن، وأنه تزوج بإحداهن بعدما أعجب بجمالها، وهي تغتسل عارية، وعمل على قتل زوجها، في إحدى المعارك، فنزل ملكان في صورة خصمين يعاتبانه بشأنها، فعرف جريمته، فسجد باكياً نادماً، وبقي ساجداً عشرات السنين.
وقد أعجب بعض المفسرين بهذه التفاصيل الإسرائيلية المكذوبة فسجلوها في تفاسيرهم!! وفسروا بها آيات القصة، ونسوا أنهم يتحدثون عن نبي رسول كريم عصمه وحفظه، فكان أتقى وأفضل الناس في زمانه، ولا يتحدثون عن رجل شهواني (زير نساء) يرتكب المحرمات، ويقتل الآخرين ليحقق مصلحته، ويشبع شهواته. وداوود (عليه السلام) منزَّه عن كل هذه الأكاذيب.
أما المفسرون والمؤرخون المنهجيون، فقد رفضوا تلك الإسرائيليات، ثم تهيبوا الخوض، في أحداث القصة واكتفوا بذكر المعنى الإجمالي لآياتها.
من هؤلاء الإمام ابن كثير، حيث قال في (قصص الأنبياء)، الذي هو جزء من تاريخه البداية والنهاية: وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف، هاهنا قصصاً وأخباراً أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا إيرادها في كتابنا قصداً، اكتفاء واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن الكريم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد توسّعت بعض الكتب في الردّ على هذه الأكاذيب والروايات التي اتُهم بها نبي الله داوود (عليه السلام)، منها:
- (تنزيه نبي الله داوود (عليه السلام) عن مطاعن وأكاذيب اليهود في العهد القديم، والإسرائيليات، للدكتور فتحي محمد الزغبي).
- (التوبة في ضوء القرآن الكريم، د. آمال بنت صالح نصير).
- (فتنة داوود (عليه السلام)، للأستاذة نوال بنت عبد السلام).
إنّ داوود (عليه السلام) أكثر أنبياء بني إسرائيل وروداً في القرآن بعد موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، وقد صرح الله بتفضيله وميَّز كتابه الزبور بالذكر في أكثر من موضع، الأمر الذي يدل على أنه من أفضل الأنبياء بعد أولي العزم من الرسل.
لقد خاضت بعض كتب التفاسير في هذه الحادثة بسبب التأثر بالإسرائيليات -مع الأسف- ونسبوا لداوود ما يتنافى مع عصمة الأنبياء. إن علماء أهل السنة يجمعون على أن الأنبياء معصومون من الكبائر.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 126-137.
- نوال عبد السلام، فتنة داود عليه السلام، مجلة الدراسات الإسلامية، المجلد 3، العدد 4، ص 319.
- علي محمّد الصلّابي، فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، بيروت، دار المعرفة، ط5، 2009، ص125.
- محمد مصطفى الزحيلي، شرعة الله للأنبياء، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 2018م، (3/441).