الحكم الإلهية من خلق السماء والأرض ...
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (29)
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾:
أي: ما خلقناهما خلقاً باطلاً لا حكمة فيه، أو ما خلقناهما للباطل الذي هو اتباع الهوى والميل إلى اللعب والشهوات، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)﴾ [الدخان: 38 - 39].
- ﴿ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ذلك ظن الذين ينكرون يوم القيامة، فإن إنكارهم إنكار لحكمة الخالق جل وعلا، وأما المؤمنون المتفكرون في قدرة الله تعالى، وباهر حكمته في خلقه فإنهم يؤمنون بها، وقد قال تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].
- ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾؛ أي: فهلاك لهم من دون الناس بسبب إنكارهم يوم الحساب والجزاء.
- (وَيْلٌ): ومن قال هو وادٍ في جهنم لم يرد أنه في اللغة موضوع لذلك، وإنما أراد أنّ من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقراً من النار وثبت له ذلك.
كما بينت الآيات بأنّ يوم الحساب ضروري للتمييز بين المصلحين والمفسدين في المصير والجزاء.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28]:
- ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: إن عدم البعث للحساب والجزاء يقتضي التسوية بين الفريقين المتفاضلين، بين المؤمنين والكفرة والمفسدين، وهو محال. والاستفهام للإنكار يقتضي نفي التسوية بين الفريقين لتقرير البعث والجزاء وتأكيده.
- ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾: وهو انتقال وإضراب إلى إثبات يوم البعث، لإنكار محال آخر أظهر من الأول، وهو استحالة التسوية بين أتقياء المؤمنين وأشقياء الكفرة، فلا يعقل أن يكون مصيرهما واحد وهو الموت؛ لا بد إذن من بعث بعد الموت، وحساب وجزاء يثاب فيه المطيع ويعاقب فيه الفاجر. وقد أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى في مواضع كثيرة، منها:
قوله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾ [القلم: 35 - 36]، وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: 21].
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 152-154.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1410ه، ص (10/553).
- التفسير الموضوعي لسور القرآن، عبد الحميد محمود طهماز، دار القلم، دمشق، ط1، 1435ه، ص(7/207).