الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

التثبت من الأخبار شرعةُ الله تعالى للناس جميعاً ..

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (62)

 

قال تعالى: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾:

سمع سليمان من الهدهد أخباراً عجيبة عن بلاد جديدة لم يكن له علم بها وعن نظام الحكم فيها، وعن دين أهلها، وتعامل سليمان (عليه السلام) مع أخبار الهدهد بحكمته المعروفة فلم يسارع إلى تصديقه وقبول أخباره ولا إلى تكذيبه ورفض أخباره، قال: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾؛ أي: سنختبر كلامك لنرى أصدقٌ هو أم كذبٌ، ويدل هذا الموقف من سليمان (عليه السلام) على الموضوعية والمنهجية التي يجب أن ينظر بها الإنسان إلى الأخبار الجديدة التي يسمعها، فالمسارعة بقبولها سذاجة، والمسارعة بتكذيبها جهل وعناد، فلا بد للإنسان أن يتمهل وأن يتثبت ويتبين من تلك الأخبار، وأن يفحصها، ويتأكد منها، وبعد ذلك يأخذها إن ظهر له صدقها، أو يرفضها إن ظهر له كذبها، ولا يلام على موقفه. تثبت سليمان من كلام الهدهد فظهر له صدقه. وهذا درس بليغ للذين يتولّون أمر الناس، كمعلّم مدرسة أو مدير مستشفى، أو مدير معمل أو أب في بيت فلا تتعجل، ولا تحكم قبل أن تحقق ولا تصدر حكماً قبل أن تستقصي المعلوماتِ والحقائقَ ولا تصدرْ أحكامَك بسرعة، بل عليك أن تتروى وتتبصر وترى رأيك ثم تصدر حكمك أو أمرك فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، والمظلوم ليس بينه وبين الله حجاب.

إن التثبت من الأخبار هي شرعة الله تعالى لسليمان (عليه السلام)، وهي شرعة الله للناس جميعاً في جميع العصور؛ لأن الإنسان ينقل الخبر ويحتمل أن يكون صدقاً، أو كذباً، ولا يصح شرعاً وعقلاً أن يبني الإنسان قراراً على مجرد خبر قبل التأكد من صحته والتثبت من مضمونه قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].

وهذا المنهج الشرعي والعقلي في التثبت من الأخبار والروايات والوقائع هو ما تطبقه جميع الأنظمة والدول اليوم إن أرادت تطبيق العدالة. حتى قرروا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأوجدوا بجانب القضاء إدارات التحقيق وقضاة التحقيق، وإجراءات المحاكمات أمام القاضي، ليتأكد من صحة الأفعال والأقوال والدعاوى، ليحكم بما يتوصل إليه من الحق والصواب، وفي المثَل: وهل آفة الأخبار إلا رواتها؟

 

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 275-279.

- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، (3/535).

- تفسير النابلسي (8/491).

- شرعة الله للأنبياء، الزحيلي، ص505.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022