الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

إضاءة حول كتاب 
"فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب"
المؤلف: د. علي محمد الصّلابيّ 


إِنَّ تاريخ عصر الخلفاء الرَّاشدين مليء بالدُّروس، والعبر، فإِذا أحسنَّا عرضه، وابتعدنا عن الرِّوايات الضَّعيفة، والموضوعة، وعن كتب المستشرقين، وأذنابهم. واعتمدنا منهج أهل السُّنَّة في الدِّراسة ؛ نكون قد أسهمنا في صياغته بمنظور أهل السُّنَّة، وتعرَّفنا على حياة، وعصر مَنْ قال الله فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100].
وهذه إضاءة عن الكتاب الثَّاني في عصر الخلفاء الرَّاشدين، يتحدَّث عن الفاروق عمر بن الخطَّاب، ويتناول شخصيته، وعصره، فهو الخليفة الثَّاني، وأفضل الصحابة الكرام بعد أبي بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنهم ـ جميعاً، وقد حثَّنا رسول الله ﷺ، وأمرنا باتِّباع سنَّتهم، والاهتداء بهديهم، قال رسول الله ﷺ: «عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي»، فعمر ـ رضي الله عنه ـ خير الصَّالحين بعد الأنبياء، والمرسلين، وأبي بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وقد قال فيهما رسول الله ﷺ: «اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي؛ أبي بكر وعمر».
إنَّ حياة الفاروق عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ صفحةٌ مشرقةٌ من التَّاريخ الإِسلاميِّ الَّذي بهر كلَّ تاريخٍ وفاقه، والَّذي لم تحوِ تواريخ الأمم مجتمعةً بعض ما حوى من الشَّرف، والمجد، والإِخلاص، والجهاد، والدَّعوة في سبيل الله. وقد انتهيت من هذا الكتاب بفضل الله وتوفيه في يوم الأربعاء السَّاعة السَّابعة وخمس دقائق صباحاً بتاريخ 13 من رمضان 1422 هـ  الموافق 28 من نوفمبر 2001 م، حيث تتبَّعتُ حياة الفاروق منذ ولادته حتَّى استشهاده، فتحدَّثت عن نسبه، وأسرته، وحياته في الجاهليَّة، وعن إِسلامه، وهجرته، وعن أثر القران الكريم، وملازمته للنَّبيِّ ﷺ في تربيته، وصياغة شخصيته الإِسلاميَّة العظيمة، وتكلَّمت عن مواقفه في الغزوات، وفي المجتمع المدنيِّ في حياة الرَّسول ﷺ، والصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وبيَّنت قصَّة استخلافه، ووضَّحت قواعد نظام حكمه، كالشُّورى، وإقامة العدل، والمساواة بين النَّاس، واحترامه للحرِّيَّات، وأشرت إِلى أهمِّ صفات الفاروق، وحياته مع أسرته، واحترامه لأهل البيت، وإِلى حياته في المجتمع بعدما أصبح خليفة المسلمين، كاهتمامه ورعايته لنساء المجتمع، وحفظه لسوابق الخير لرعيَّته، وحرصه على قضاء حوائج النَّاس، وتربيته لبعض زعماء المجتمع، وإِنكاره لبعض التَّصرُّفات المنحرفة، واهتمامه بصحَّة الرَّعيَّة ونظام الحِسْبَة، وبالأسواق، والتِّجارة، وحرصه على تحقيق مقاصد الشَّريعة في المجتمع، كحماية جانب التَّوحيد ومحاربة الزَّيغ، والبدع، واهتمامه بأمر العبادات، وحماية أعراض المجاهدين.
وتحدَّثتُ عن اهتمام الفاروق بالعلم، وعن تتبُّعه للرَّعية بالتَّوجيه، والتَّعليم في المدينة، وجعله المدينةَ داراً للفتوى، والفقه، ومدرسةً تخرَّج فيها العلماء، والدُّعاة، والولاة، والقضاة، وبيَّنت الأثر العمريَّ في مدارس الأمصار، كالمدرسة المكيَّة، والمدنيَّة، والبصْريَّة، والكوفيَّة، والشَّاميَّة، والمصريَّة، فقد اهتمَّ الفاروق بالكوادر العلميَّة المتخصِّصة، وبعثها إِلى الأمصار، وأرشد القادة والأمراء مع توسُّع حركة الفتوحات إِلى إِقامة المساجد في الأقاليم المفتوحة، لتكون مراكز للدَّعوة، والتَّعليم، والتَّربية، ونشر الحضارة الإِسلاميَّة، فقد كانت المساجد هي المؤسَّسات العلميَّة الأولى في الإِسلام، ومن خلالها تحرَّك علماء الصَّحابة لتعليم الشُّعوب الجديدة الَّتي دخلت في الإِسلام طواعيةً بدون ضغطٍ، أو إِكراه.
وأشرت إِلى عام الطَّاعون، وموقف الفاروق من هذا الوباء الَّذي كان سبباً في وفاة كبار قادة الجيش الإِسلامي بالشَّام، وقد مات أكثر من عشرين ألفاً من المسلمين بسبب الطَّاعون، واختلَّت الموازين، وضاعت المواريث، فذهب الفاروق إِلى الشَّام، وقسم الأرزاق، وسمَّى الشَّواتي، والصَّوائف، وسدَّ ثغور الشَّام، ومسالحها، وولَّى الولاة، ورتَّب أمور الجند، والقادة، والنَّاس، وورَّث الأحياء من الأموات.
ووضَّحت دور الفاروق في تطوير المؤسَّسة الماليَّة، والقضائيَّة ؛ فتحدَّثت عن المؤسَّسة الماليَّة، وعن مصادر دخل الدَّولة في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ كالزَّكاة، والجزية، والخراج، والعشور، والفيء، والغنائم، وعن بيت مال المسلمين، وتدوين الدَّواوين، وعن مصارف الدَّولة في عهد عمر، وعن اجتهاد الفاروق في مسألة أرض الخراج، وعن إِصدار النقود الإِسلاميَّة. وبيَّنت دور الفاروق في تطوير المؤسَّسة القضائيَّة، وتكلَّمت عن أهم رسائل عمر إِلى القضاة، وعن تعيين القضاة، ومرتباتهم، وصفاتهم، وما يجب عليهم، وعن مصادر الأحكام القضائيَّة، والأدلَّة الَّتي يعتمد عليها القاضي، وعن اجتهادات الفاروق القضائيَّة. وعن فقه عمر في التعامل مع الولاة، فبيَّنتُ أقاليم الدَّولة في عهد عمر، وأسماء مَنْ تولَّى إِمارة الأقاليم في عصره، وعن أهم قواعد عمر في تعيين الولاة، وشروطه عليهم، وعن صفات ولاة عمر، وعن حقوق الولاة، وواجباتهم، وعن تعامل الفاروق مع شكاوى الرَّعيَّة في الولاة، وعن أنواع العقوبات الَّتي أنزلها الفاروق بالولاة، وعن قصَّة عزل خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ وعن عزله في المرَّتين الأولى، والثَّانية، ومجمل أسباب عزله، وعن موقف المجتمع الإِسلامي من قرار العزل، وعن موقف خالد بن الوليد من ذلك القرار، وماذا قال عن الفاروق ؛ وهو على فراش الموت.
ووصفت فتوح العراق، وإيران، والشَّام، ومصر، وليبيا في عهد الفاروق، ووقفت عند الدُّروس، والعبر، والفوائد، والسُّنن في تلك الفتوح. وسلَّطت الأضواء على الرَّسائل الَّتي كانت بين الفاروق، وقادة جيوشه، واستخرجت منها مادَّةً علميَّةً تربويَّةً في توجيه الشُّعوب، وبناء الدُّول، وتربية المجتمعات، وترشيد القادة، وفنون القتال، واستنبطت من رسائل عمر إلى القادة حقوق الله، كمصابرة العدو، وأن يقصدوا بقتالهم نصرة دين الله، وأداء الأمانة، وعدم المحاباة في نصر دين الله، وحقوق القادة، كالتزام طاعتهم، وامتثال أوامرهم، وحقوق الجند، كاستعراضهم، وتفقُّد أحوالهم، والرِّفق بهم في السَّير، وتحريضهم على القتال.
طويت بوفاة الخليفة الرَّاشد العادل عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ صفحةٌ من أنصع صفحات التَّاريخ، وأنقاها، فقد عرف فيه التَّاريخ رجلاً فذَّاً من طرازٍ فريدٍ، لم يكن همُّه جمع المال، ولم تستهوه زخرفة السُّلطان، ولم تمل به عن جادة الحقِّ سطوة الحكم، ولم يحمل أقاربه، ولا أبناءه على رقاب النَّاس، بل كان كل همِّه انتصار الإِسلام، وأعظم أمانيه سيادة الشَّريعة، وأقصى غايته تحقيق العدالة بين أفراد رعيَّته، وقد حقَّق ذلك كلَّه بعون الله ـ عزَّ، وجلَّ ـ في تلك الفترة الوجيزة الَّتي لا تعدُّ في عمر الدُّول شيئاً مذكوراً.


رابط كتاب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للدكتور علي محمد الصلابي: 
https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/694

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022